الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الموازنة بين التدخين ومشاهدة الأفلام الإباحية

السؤال

هل عقوبة وحرمة التدخين تعادل عقوبة وحرمة النظر إلى الإباحيات؟ وما النص الشرعي الذي يدل على الإجابة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من أخص أنواع العلم، فقه مراتب الأعمال، سواء الصالحة للحرص على فعلها الأفضل فالأفضل، أو السيئة للحرص على اتقائها الأسوأ فالأسوء، وللترجيح بينها عند التزاحم.

قال ابن تيمية: فتفطن لحقيقة الدين، وانظر ما اشتملت عليه الأفعال من المصالح الشرعية، والمفاسد، بحيث تعرف ما مراتب المعروف، ومراتب المنكر، حتى تقدم أهمها عند الازدحام، فإن هذا حقيقة العلم بما جاءت به الرسل، فإن التمييز بين جنس المعروف، وجنس المنكر، أو جنس الدليل، وغير الدليل، يتيسر كثيرًا.
فأما مراتب المعروف والمنكر، ومراتب الدليل، بحيث يقدم عند التزاحم أعرف المعروفين، وينكر أنكر المنكرين، ويرجح أقوى الدليلين، فإنه هو خاصة العلماء بهذا الدين. اهـ. من اقتضاء الصراط المستقيم.

وإن كانت النفوس المريضة قد تضرها بعض العلوم النافعة، لاستعانتها بها على الفجور.

قال ابن تيمية: ومن العلم ما يضر بعض النفوس؛ لاستعانتها به على أغراضها الفاسدة، فيكون بمنزلة السلاح للمحارب، والمال للفاجر .اهـ. من الاستقامة.

ومن ذلك: سؤال المرء عن المفاضلة بين معصيتين؛ لتطيب نفسه وينشرح صدره باجتراح أدناهما حرمة -دون موجب من حاجة، أو اضطرار أو شبههما- ونربأ بالأخت السائلة أن يكون هذا هو مقصودها من السؤال.

وعلى كل حال: فما دامت معرفة مراتب السيئات من العلم النافع، فلا تثريب علينا في الكلام فيه، ولا يضرنا استعانة البعض به على أغراض فاسدة.

فنقول: لم يرد في الشرع -فيما نعلم- عقوبة خاصة على التدخين، ولا على مشاهدة الأفلام الإباحية، وأما عن مرتبة هذين الذنبين: فلم نقف على كلام للمعاصرين في ذلك، والظاهر أن النظر إلى الأفلام الإباحية أعظم حرمة وأشد إثما، فالتدخين -وإن كنا نفتي بتحريمه- إلا أنه مختلف في حكمه أصلا، وجمع من الفقهاء -خاصة المتقدمين منهم- يرون أنه ليس بمحرم، وأن ضرره هو من جنس الضرر المحتمل في بعض الأطعمة المباحة باتفاق، وأما الأفلام الإباحية فلا نعلم قائلا بجواز مشاهدتها أبدا، ثم إن النظر إلى الأفلام الإباحية لا يبعد أن يكون كبيرة؛ لما يجر إليه من الوقوع في الفواحش، ولما قد يكون في مشاهدة الأفلام من إقرار ورضا بما يعرض فيها من كبائر الذنوب كالزنا واللواط، والرضا بالكبيرة من الكبائر، وانظر في هذا الفتوى رقم: 292522.

إضافة إلى أن النظر المحرم له أثر خاص في إفساد القلب وإبعاده عن الخير، فكيف بمشاهدة الأفلام الإباحية؟

قال ابن القيم: بين العين والقلب منفذا وطريقا يوجب انتقال أحدهما عن الآخر، وأن يصلح بصلاحه، ويفسد بفساده، فإذا فسد القلب؛ فسد النظر، وإذا فسد النظر؛ فسد القلب، وكذلك في جانب الصلاح، فإذا خربت العين وفسدت؛ خرب القلب وفسد، وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ، فلا يصلح لسكنى معرفة الله ومحبته والإنابة إليه، والأنس به والسرور بقربه فيه، وإنما يسكن فيه أضداد ذلك .اهـ. من الداء والدواء.

والواجب على المسلم أن يتقي الذنوب جميعها ما استطاع، وأن يبادر التوبة والأوبة من المعاصي كلها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني