الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العمل لتحقيق الرضا عن النفس يقدح في الإخلاص

السؤال

هل يجوز أن أعمل عملا بنية تحقيق الرضا عن نفسي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالظاهر أن العمل الذي يسأل عنه السائل هو العمل الصالح من الطاعات والحسنات، وإن كان كذلك فهذه الأعمال لا تكون إلا بتحقيق الإخلاص لوجه الله تعالى والدار الآخرة! ولا يصح أن يراد بها تحقيق الرضا عن النفس، كما لا يصح أن يراد بها تحصيل رضا الخلق، فكلا الأمرين قادح في الإخلاص، فإنه لا يتحقق إلا بإفراد الله تعالى بالقصد والطلب.

قال ابن القيم في مدارج السالكين: تَنَوَّعَتْ عِبَارَتُهُمْ فِي الْإِخْلَاصِ وَالصِّدْقِ، وَالْقَصْدُ وَاحِدٌ.
فَقِيلَ: هُوَ إِفْرَادُ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ بِالْقَصْدِ فِي الطَّاعَةِ.
وَقِيلَ: تَصْفِيَةُ الْفِعْلِ عَنْ مُلَاحَظَةِ الْمَخْلُوقِينَ.
وَقِيلَ: التَّوَقِّي مِنْ مُلَاحَظَةِ الْخَلْقِ حَتَّى عَنْ نَفْسِكَ. وَالصِّدْقُ التَّنَقِّي مِنْ مُطَالَعَةِ النَّفْسِ. فَالْمُخْلِصُ لَا رِيَاءَ لَهُ، وَالصَّادِقُ لَا إِعْجَابَ لَهُ. وَلَا يَتِمُّ الْإِخْلَاصُ إِلَّا بِالصِّدْقِ، وَلَا الصِّدْقُ إِلَّا بِالْإِخْلَاصِ. وَلَا يَتِمَّانِ إِلَّا بِالصَّبْرِ.
وَقِيلَ: مَنْ شَهِدَ فِي إِخْلَاصِهِ الْإِخْلَاصَ، احْتَاجَ إِخْلَاصُهُ إِلَى إِخْلَاصٍ. فَنُقْصَانُ كُلِّ مُخْلِصٍ فِي إِخْلَاصِهِ: بِقَدْرِ رُؤْيَةِ إِخْلَاصِهِ. فَإِذَا سَقَطَ عَنْ نَفْسِهِ رُؤْيَةُ الْإِخْلَاصِ، صَارَ مُخْلِصًا مُخْلَصًا.
اهـ.
والمقصود أن المخلص يجرد نيته لطلب مرضاة الله تعالى وثوابه، ولا ينشغل بما سوى ذلك، لا من نفسه ولا من الخلق!

ثم إن الرضا عن النفس إن كان بمعناه المتبادر، فهو آفة ينبغي السعي للتخلص منها، لا الحرص على تحصيلها.

قال الشيخ السلمان في كتابه (مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار): قال بعض العلماء: أصل كل معصية وغفلة وشهوة الرضا عن النفس، وأصل كل طاعة ويقظة وعفة عدم الرضا منك عنها، ولأن تصحب جاهلاً لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالمًا يرضى عن نفسه، فأي علم لعالم يرضى عن نفسه، وأي جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه. اهـ.
وقد سبق لنا بيان أن الرضا عن النفس وعدم الإحساس بالتقصير أمر لا يحصل للعارف بالله، العارف بنفسه، وذلك في الفتوى رقم: 118472. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 180465.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني