الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفضيل بعض الأولاد بقرض دون البقية، والواجب على الولد الذي فُضِّل على غيره

السؤال

بخصوص العدل بين الأبناء في الإقراض.
نحن عائلة مكونة من سبعة أفراد –أبي، وأمي، وثلاث إخوة، وأختين- والوالدان على قيد الحياة -ولله الحمد-، وأبي لم يعدل بيننا من الناحية المالية، فهو يقرض اثنين من الأبناء الذكور مبالغ ضخمة دون توثيق، أو طلب إرجاع لسنوات طويلة، دون الآخرين من الإخوة؛ بحجة أن ليس لديهم وظائف، علمًا أنه ليس هناك عائق من قيامهم بوظائف مثل غيرهم، كما أن الإناث ممنوعات من العمل، ولا يمتلكن شيئًا سوى المصروف الشهري، وهو أقل من نصف مخصص الخادمة، واثنان من الإخوة الآن يمتلكان الملايين إن لم تكن عشرات الملايين، والإناث لا يمتلكن شيئًا، والأخ الموظف لا يمتلك إلا راتبه، ووالله إن القلوب غير صافية، رغم أننا لم نتحدث مع الوالد بكلمة في هذا الخصوص؛ لأن نقاشه مستحيل، إلا أن البعض يقسم على عدم مسامحة الوالد على هذا الظلم، فهل يحق لوالدي هذا العمل؟ وهل يحق لنا أن نطلب من والدي استرجاع المال والأرباح من الإخوة، وإعطاءهم جزءًا من الأرباح مقابل تشغيلهم للمال؟ وما هي رسالتكم لوالدي، ولإخوتي الذين حصلوا على المال؛ لعلاج المشكلة المذكورة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن المذموم المنهي عنه شرعًا أن يفضل الوالد أحد أولاده بشيء دون معنى أو حاجة تقتضي ذلك، كالفقر، أو المرض، أو كثرة العيال، ونحو ذلك.

وكما يدخل في هذا المنع ما كان على سبيل التمليك، كالهبة، والصدقة، والهدية، وأي نوع من التبرعات، يدخل فيه أيضًا ما ليس تمليكًا للعين أو الرقبة، كالوقف، والقرض، والعارية، وإباحة المنافع، فلا ينبغي للوالد تفضيل أحد أبنائه بشيء من ذلك دون مسوغ، قال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: سواء أكانت تلك العطية هبة، أم هدية، أم صدقة، أم وقفًا، أم تبرعًا آخر، فإن لم يعدل لغير عذر، كره عند أكثر العلماء، وقال جمع: يحرم ... وذكر الدميري في بعض نسخه: أنه لا خلاف في طلب التسوية بينهم حتى في الكلام، وهو متجه. اهـ. وقال العبادي في حاشيته على التحفة: (قوله: أم تبرعًا آخر)، كالإباحة. اهـ.

ونقل الشرواني في حاشيته عن عمر البصري أن ذلك يشمل ما لو كان بطريق المحاباة في ضمن عقد. اهـ.

وقال قليوبي في حاشيته على شرح المحلي على المنهاج: قوله: (في عطية إلخ) الشامل للصدقة، والوقف، والهدية، ومثلها الكلام، والتودد، ولو نحو صلة. اهـ. وراجع في ذلك الفتاوى التالية: 76687، 75951، 369709.

وعلى الوالد إن خالف ذلك دون سبب يقتضيه: أن يسترد القرض، أو أن يقرض بقية أولاده كذلك.

وأما ربح القرض الذي اكتسبه المقترض، فهو له؛ لأنه زيادة منفصلة حدثت في ملكه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 169761. وراجع في أصل مسألة العدل بين الأولاد في العطية الفتويين: 6242، 104914.

وأما بالنسبة لمن فُضِّل من الأبناء بعطية دون مسوغ، فعليه أن يسترضي إخوته، أو يردَّ ما فُضل به، وراجع في ذلك الفتاوى التالية: 116657، 115094، 114813.

ولا حرج على الابن أن يطلب من أبيه العدل بينه وبين بقية إخوته في العطية، ما دام ذلك بأسلوب يناسب مقام الوالد، جاء في (فتاوى اللجنة الدائمة): إذا رأيت من أبيك تقصيرًا نحوك دون إخوتك، فاطلب منه بأدب، ولين جانب ما قصر به عليك، وبين له أن العدل بين الأولاد واجب شرعًا، فإن عدل بينكم، فالحمد لله، وإلا، فإنه لا يجوز لك -والحال ما ذكر- أن تأخذ من ماله لإصلاح ما ذكرت بدون علمه، وعليك في هذا الصبر؛ لعل الله أن يهديه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني