الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من أوقع الطلاق لأمر ثم تبين له خطؤه

السؤال

قلت ألفاظ طلاق كثيرة، نتيجة ظن أن زوجتي تكلم شخصا على الإنترنت. ولكني اكتشفت الحقيقة أنها لم تكلم هذا الشخص مطلقا.
واستفتيت في الأمر، فأحد المشايخ الكرام قال وقع الطلاق، وقال آخر لم يقع؛ لأن السبب غير حقيقي، وبالتالي يعتبر الطلاق لغوا، لا يعتد به. وهناك فتاوى لعلماء مثل الشيخ عبد العزيز بن باز، تقول إن الطلاق لا يقع إذا كان بسبب تبين عدم صحته.
فأرجو قراءة تفاصيل الموقف، وإرشادي للفتوى الصحيحة، جزاكم الله خيرا.
في أحد الأيام أخذت جوال زوجتي من يدها، فوجدت رسالة كانت قد وصلت توا من أحد الأشخاص المسجلين على جوالها باسم إحدى صديقاتها (ولم تكن هناك أي رسائل أخرى على هذا الرقم إطلاقا) ولكني ارتبت في نص الرسالة؛ فاتصلت على الرقم، فرد علي رجل.
افترضت فورا أنها تكلم هذا الشخص على الإنترنت، وأنها سجلت الاسم باسم صديقة لها للإخفاء. فقررت فورا أني سأطلقها لهذا السبب، ولم أنطق هنا بلفظ الطلاق، ولكن قلت لها إن هذا الشخص الذي تكلمينه «خرب لك بيتك» وكنت أقصد بالطبع أنه سبب للطلاق. وقررت أن أرجعها فورا إلى مصر عند أهلها، وقررت ألا أخبر أي شخص بما اكتشفته للستر عليها، خصوصا أن لدينا أطفال. واتصلت على والدتها وأخبرتها أن تجهز طلباتهم لإنهاء إجراءات الطلاق، وأخبرتها أيضا أن ذلك بسبب المشاكل الكثيرة بيننا. وكلما سألني أحد كنت أقول له أيضا بسبب المشاكل، ولم أذكر السبب الحقيقي (وهو ظني أنها تكلم شخصا على الإنترنت).
وبعد عودتها إلى مصر، مكثت في المملكة السعودية لمدة شهر، وكان عذابا شديدا؛ لأن الظنون كانت تكبر كل يوم، وفسرت كل مشكلة وكل تصرف منها على مدى السنوات السابقة بناء على تلك الظنون؛ لدرجة البكاء في الكثير من الأحيان.
أ‌) الحقيقة كانت خلاف ذلك تماما، فهي سجلت هذا الرقم على أنه لصديقة لها فعلا، وأعطوه لها مع رقم آخر لنفس الصديقة من خلال مجموعة على الإنترنت تضم معلماتها وزميلاتها القدامى، وسجلت الاثنين على هاتفها باسم صديقتها، وكان ذلك من أيام بسيطة قبل هذا الموقف، ولم تتراسل مع هذا الشخص أبدا. ولكني لم أدرك ذلك إلا بعد شهر تقريبا من الواقعة. ولم أكن أقبل أي كلام منها؛ لأني افترضت أنها تكذب لتخرج نفسها من الموقف.
ب‌) أخبرت هي والدتها بالأمر فور عودتها؛ لأنها بطبيعة الحال تشعر أنها مظلومة.
ت‌) كلمتني والدتها في الأمر، ولم أكن أنوي أن أخبرها أصلا، لكني كنت أشعر بالقهر الشديد وأن ابنتها خانتني (تكلم شخصا آخر على النت وليس المعنى المتعارف عليه للكلمة) وهذه الفكرة كانت مسيطرة علي للأسف، فقلت لها أشياء افترضتها وليس لها وجود، ولكنها كلها كانت وساوس من وسوسة الشيطان، مثل أنها تكلم هذا الشخص منذ زمن طويل (وأستغفر الله هذا كان وسوسة)
ث‌) كلما هاجت هذه الظنون والوساوس، كنت أقول في نفسي "هي طالق" كثيرا.
ج‌) في مرة من المرات قلت: "هي ليست على ذمتي" لنفسي أيضا، ولكن تحرك بها لساني لفظا.
ح‌) الفكرة كانت مسيطرة علي تماما، لدرجة أني كنت متأكدا مما أظنه، وفي مرة قالت لي في رسالة: لا تطلقني من أجل الأولاد، فقلت لها أنا طلقتك فعلا، ولو عندي 100 طلقة فسأطلقك بها.
خ‌) كلما سألني أحد من أهلي أن أتريث وأسأل أولا أحد الشيوخ، كنت أقول لهم إن الأمر منته، وفي مرة قلت لأخي "هي طالق".
د‌) كانت هناك إحدى الأوراق التي يجب أن أكملها، وفيها اسم الزوجة وكان لا بد من كتابة اسمها؛ لأنه لم يكن قد تم توثيق الطلاق بعد، فقلت لأبرأ ذمتي أمام الله "أشهد الله أنها ليست زوجتي" ثم كتبت اسمها في المكان المطلوب.
ذ‌) والدتها أخبرت عمها بالسبب الحقيقي الذي أريد من أجله الطلاق (رغم تأكيدي لهم أن لا يخبروا أحدا) فجعلها تقسم على كتاب الله أن ذلك لم يحدث؛ فأقسمت أربع مرات، وطلب منها أن تلعن نفسها إن كانت كاذبة، ففعلت أيضا. وكان ذلك دون علمي أو وجودي في الموقف، وقلت عندما عرفت لو كنت موجودا لمنعته، وكل ذلك معتقدا أن ظني صحيح، وأني كنت أريد فقط أن تذهب لحالها دون أن أسبب لها ضررا بالحلف الكاذب الذي قد يعرضها لغضب الله.
ر‌) في ذات اليوم طرقت أذني آية "إن الله لا يحب الظالمين" وشعرت أنها موجهة لي، وأيضا فتحت المصحف فوقعت عيناي مباشرة على آيات "حادثة الإفك" فشعرت بوجود خطأ جسيم، وأني وقعت في الظلم، لحظتها فقط أحسست أن ستارا كان على عيني لا يريني حقيقة الأمر. وسألت زوجتي لأول مرة عن حقيقة الأمر، فأخبرتني، وأقسمت على هذا، واستخدمت بعض الوسائل التقنية أيضا ليطمئن قلبي أكثر، فتأكدت من صدق كلامها، وأني وقعت في الظلم.
أرجو إفادتي هل الطلاق وقع أم لا؟ وكيف أكفر عن هذا الظلم الذي وقع عليها؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالراجح عندنا عدم وقوع الطلاق المذكور، ما دام السبب الذي من أجله أوقعت الطلاق، تبين انتفاؤه.

قال ابن القيم -رحمه الله-: .... والمقصود أنه إذا علّل الطلاق بعلة، ثم تبين انتفاؤها. فمذهب أحمد أنّه لا يقع بها الطلاق، وعند شيخنا لا يشترط ذكر التعليل بلفظه، ولا فرق عنده بين أن يطلقها لعلة مذكورة في اللفظ، أو غير مذكورة. فإذا تبين انتفاؤها، لم يقع الطلاق، وهذا هو الذي لا يليق بالمذهب غيره، ولا تقتضى قواعد الأئمة غيره. إعلام الموقعين.
وما حصل منك بعد ذلك من الإخبار بوقوع الطلاق، لا يترتب عليه طلاق آخر، وأمّا حديث النفس فلا يترتب عليه طلاق مطلقاً.
وأمّا خروجك من ظلم زوجتك، فيكون باستحلالها وطلب مسامحتها، ونصيحتنا لك أن تعيد زوجتك إلى بيتك، وتعاشرها بالمعروف، وتحسن الظنّ بها، وتحذر من الوساوس، وتعرض عنها بالكلية، فإنّ التمادي مع الوساوس يفضي إلى شر عظيم.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني