الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المحبة والخلة والغيرة من صفات الله تبارك وتعالى لا تماثل صفات المخلوقين

السؤال

إذا كانت الخُلة هي: المحبة التي تخللت روح المحب وقلبه؛ حتى لم يبق فيه موضع لغير المحبوب، فما معنى: "واتخذ الله إبراهيم خليلا "، فتعريف الخلة لا ينطبق على الله؛ لأنه ليس كمثله شيء، وقول ابن القيم: "فغار الخليلُ على خليله أن يكون في قلبه موضع لغيره" فيه لبس؛ لأن الغيرة صفة نقص في حق الإنسان.
قال ابن القيم -رحمه الله-: وهذا هو السر الذي لأجله - والله أعلم - أُمر الخليل بذبح ولده، وثمرة فؤاده، وفلذة كبده؛ لأنه لما سأل الولدَ فأعطيه: تعلقت به شعبة من قلبه، والخلة منصب، لا يقبل الشِّركة والقسمة، {فغار الخليلُ على خليله أن يكون في قلبه موضع لغيره}"، فأمره بذبح الولد" انتهى. مدارج السالكين (3/30 ، 31). أرجو الإجابة بالتفصيل.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الخلة أعلى وأرقى وأسمى أنواع المحبة، وقد قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا {النساء:125}، وقد وصف الله تعالى كذلك نفسه بأنه يحب المتقين، ويحب المؤمنين، ويحب المحسنين، فالمحبة والخلة صفتان من صفاته تبارك وتعالى، لكنهما تليقان بعظمته، وجلاله، ولا تماثلان صفات المخلوقين، فقد قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ {الشورى:11}، ولا يعلم كيفيتهما إلا هو عز وجل، وقد قال سبحانه عن نفسه: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا {طه:110}، وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية عن أبي عبد الله محمد بن خفيف قوله: ... والخلة والمحبة صفتان للّه هو موصوف بهما، ولا تدخل أوصافه تحت التكييف، والتشبيه، وصفات الخلق من المحبة، والخلة، جائز عليها الكيف. انتهى.

وقال الدكتور حمد بن عبد المحسن التويجري تعليقًا عليه: معنى هاتين الصفتين أن هاتين الصفتين تثبتان لله -عز وجل- على الوجه اللائق به -سبحانه وتعالى-، وهما أيضًا صفتان ثابتتان للعبد، لكن يوصف العبد منهما بالوجه الذي يليق بالعبد، ويوصف الله -عز وجل- بهما على الوجه اللائق به سبحانه، من غير أن نكيف هذه الصفة، أو نشبهها. انتهى.

أما قول ابن القيم: فغار الخليلُ على خليله أن يكون في قلبه موضع لغيره. فلا لبس فيه؛ إذ المعنى أن يكون في قلب إبراهيم موضع لغير الله، فالضمير -وهو الهاء في قوله: (قلبه)- يعود إلى الخليل إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، كذلك الغيرة لا لبس فيها، فهي صفة من صفات الله، والقول فيها -كما قدمنا في الكلام حول صفة الخلة والمحبة لله عز وجل-، فصفات الله الخالق عز وجل لا تشبه صفات المخلوقين.

وإذا كان يوجد تفاوت وتباين كبير بين صفات المخلوقين فيما بينهم، فوجود التباين والتفاوت بين صفات الخالق وصفات المخلوق، أولى وأعظم، وقد ورد في الحديث عن أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ المُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ. متفق عليه، فغيرة الله تليق بجلاله وكماله، فنؤمن بها، وبكل صفات الله بلا تشبيه، ولا تمثيل، ولا تكييف، ولا تأويل، ولا تعطيل؛ إيمانًا بقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ {الشورى:11}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني