الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المراد بالشريعة في قوله تعالى: "ثم جعلناك على شريعة من الأمر"

السؤال

ما معنى الشريعة التي ذكرت في الآية: "ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون"؟ هل الشريعة هي الدين، أم هي التشريع في الدولة، أم هي الكتاب والحديث؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد اختلفت عبارات السلف في معنى الشريعة، فمنهم من فسرها بالدين كله، ومنهم من فسرها بالأمر، والنهي، والحدود، قال أبو حيان في البحر المحيط: قَالَ قَتَادَةُ: الشَّرِيعَةُ: الْأَمْرُ، وَالنَّهْيُ، وَالْحُدُودُ، وَالْفَرَائِضُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ إِلَى الْحَقِّ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: السُّنَّةُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَنُّ بِطَرِيقَةِ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الدِّينُ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى النَّجَاةِ.

وَالشَّرِيعَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يَرِدُ فِيهِ النَّاسُ فِي الْأَنْهَارِ وَالْمِيَاهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَفِي الشَّرَائِعِ مِنْ جيلان مقتنص ... رث الثِّيَابِ خَفِيُّ الشَّخْصِ مُنْسَرِبُ.

فَشَرِيعَةُ الدِّينِ مِنْ ذَلِكَ، مِنْ حَيْثُ يُرِدِ النَّاسُ أَمْرَ اللَّهِ، وَرَحْمَتَهُ، وَالْقُرْبَ مِنْهُ، مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي مِنْ دِينِ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَهُ فِي عِبَادِهِ فِي الزَّمَانِ السَّالِفِ، أَوْ يَكُونُ مَصْدَرَ أَمْرٍ، أَيْ: مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَسُمِّيَ النَّهْيُ أَمْرًا. انتهى.

ورجح القرطبي أن معنى الشريعة: الطريقة من الدين، فإنه قال بعد ذكر نحو مما تقدم عن السلف: تقديره: ثم جعلناك على طريقة من الدين، وهي ملة الإسلام، كما قال: ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين، وَلَا خِلَافَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُغَايِرْ بَيْنَ الشَّرَائِعِ فِي التَّوْحِيدِ، وَالْمَكَارِمِ، وَالْمَصَالِحِ، وَإِنَّمَا خَالَفَ بَيْنَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، حَسْبَمَا عَلَّمَهُ سُبْحَانَهُ. انتهى.

وقال القاسمي: ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ: أي: على طريقة، وسنة، ومنهاج من أمر الدين، الذي أمرنا به من قبلك من رسلنا. فَاتَّبِعْها: أي: تلك الشريعة الثابتة بالدلائل والحجج. وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ: يعني المشركين، وما هم عليه من الأهواء التي لا حجة عليها. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني