الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أعاني من «وسواس النذر»، وقد أُصبتُ بهذا الابتلاء إثر قراءتي لفتاوى مفادها أن النذر يقع لو تلفظ به الشخص، حتى ولو لم تكن هناك نيَّة، كنذر الهازل واللاعب.
فبعد قراءتي لهذه الفتاوى، أصبح ذهني منشغلاً بهذه المسألة، وباتت تأتيني في ذهني عبارات تتعلق بالنذر، وأنا أصلاً لا أريد النذر.
هذه الحالة أصبحت تعتريني بسبب الفتاوى التي قرأتها، رغم أنني قبلها لم يكن يخطر على بالي موضوع النذر أصلاً. وأصبحتُ أشعر بالقلق، بسبب هذه الفتاوى، ودخلتُ في دوامة يعلم الله مداها.
وسؤالي مكوَّن من شقين: أولاً: أثناء بحثي عن حلول، وجدتُ أن هذه الفتاوى اعتمدت في المقام الأول على حديث: "ثلاث جدُّهن جدٌ وهزلهُنَّ جدٌ: النكاح، والطلاق، والرجعة". ووجدتُ أن هذا الحديث أصلاً مختلف في صحته. وبالنسبة للنذر، لم أجد سوى بعض الآثار المنسوبة للصحابة، وتحديدًا عمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، ومن المعلوم أن قول الصحابي ليس بحجة، كما أن الحديث المروي عن النبي لم يتحدث أصلاً عن النذر، فضلاً عن أن كلَّ هذا يتعارض مع الحديث المحوريّ الذي ينص صراحة على أن الأعمال بالنيَّات. فكيف يُعدل عن هذا الحديث، الذي ينبني عليه الفقه الإسلامي، لصالح حديث وآثار مختلف في صحتها؟!
ثانيًا: وهو الأهم ليّ في هذا السؤال: ماذا لو أن شخصًا تلفظ بلفظ النذر قاصدًا إياه، بسبب كثرة التفكير في مسألة النذر، ولم تكن لديه أيُّ نيَّة، ولم يكن هازلاً أو لاعبًا.
فهل لا يزال ينطبق عليه وصف «نذر الهازل»؟! فهو ليس بهازل ولا بلاعب، ولكن بسبب انشغال ذهنه بهذه المسألة، تلفظ بلفظ النذر دون نيَّة.
باختصار: إذا تلفظ الشخص بلفظ النذر، دون نيَّة، وفي الوقت نفسه لم يكن هازلاً أو لاعبًا، هل يقع نذره في هذه الحالة؟
وهل ينطبق عليه وصف: «نذر الهازل»، رغم أنه ليس بهازل ولا بلاعب، وليست لديه أيُّ نيَّة، بل مجرد خواطر وأفكار عابرة، لم تصل إلى نيَّة حقيقية؟!

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأما نذر الهازل، فإنه منعقد عند عامة العلماء، إذا تلفظ باللفظ المشعر بالالتزام؛ وذلك لأنه حق محض لله تعالى، فانعقد بمجرد اللفظ، كالمنصوص عليه.

والحديث المذكور، حسنه كثير من العلماء، وألحق الفقهاء بالمذكور ما سواه من حقوق الله تعالى، والآثار المذكورة شاهدة للحديث، دالة على ما دل عليه، جاء في الموسوعة الفقهية: وقال عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-: أربع جائزة في كل حال: العتق، والطلاق، والنكاح، والنذر. وهذا باتفاق في الجملة.

وذلك أن الهازل أتى بالقول غير ملتزم لحكمه، وترتيب الأحكام على الأسباب إنما هو للشارع، لا للعاقد، فإذا أتى بالسبب، لزمه حكمه، شاء أم أبى؛ لأن ذلك لا يقف على اختياره؛ وذلك أن الهازل قاصد للقول، مريد له، مع علمه بمعناه وموجبه، وقصد اللفظ المتضمن للمعنى، قصد لذلك المعنى؛ لتلازمهما، ثم إن اللعب والهزل في حقوق الله تعالى غير جائز، فيكون جد القول وهزله سواء، بخلاف جانب العباد. انتهى.

وإذا علمت هذا؛ فعليك دفعًا لما أصابك من الوساوس أن تغض الطرف عن هذه المسألة.

واعلم أن من شك في انعقاد نذره، لم يحكم بانعقاده حتى يحصل اليقين الجازم بذلك.

ومن نذر أو حلف، أو حنث تحت تأثير الوساوس، فلا اعتداد بفعله هذا؛ لأنه في معنى المكره، وانظر الفتويين التاليتين: 164941 - 329329.

فاطرح عنك هذه الوساوس، ولا تبال بها، ولا تعرها اهتمامًا، ولا ينعقد نذرك بمجرد هذه الوساوس، وتلك الأفكار.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني