الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أقدم على بعض المعاملات وهو جاهل بحكمها

السؤال

أعمل مندوب مبيعات في مؤسسة، نقوم بتوريد بضائع للمحلات، فأذهب إلى المحلات، وأعرض لهم البضاعة والسعر، وبعد ذلك يقوم المحل بطلب طلبية، فتكون بعض الأصناف في المستودع، والأخرى نرسل سائقنا ليشتريها، وبعد شرائها، يقوم السائق بتوصيل البضاعة، وكتابة فاتورة البيع، ويوقع المحل بالتوقيع بالاستلام، ويتم دفع الفاتورة بالآجل، أو نقدًا.
كنت أتعامل على أساس أن البيع والشراء تم عند الطلبية، وظننت أن هذا يدخل في بيع ما ليس عندك، حيث إن هناك بعض البضائع نشتريها بعد الطلبية، وللأسف لم أتحقق من الموضوع منذ سنتين، فهل آثم على أني لم أستفسر، وتأخرت في السؤال؟ وهل المال الذي اكتسبته فيه حرام؟ وماذا عليّ أن أفعل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالسؤال فيه شيء من الغموض، فلم يتضح لنا هل يتمّ البيع قبل التملك، أمّ إنّك كنت تظنّ ذلك، والواقع بخلافه؟

فإن كان الذي يحصل بينك وبين الزبائن مجرد عرض ومواعدة، ولا يتم البيع إلا بعد تملك البضاعة وقبضها؛ فهذه المعاملات جائزة، وكسبك من هذا العمل حلال.

أمّا إذا كان البيع يتمّ قبل تملك البضاعة، فهذا غير جائز، وراجع الفتوى رقم: 362479.

وإذا كنت أقدمت على هذه البيع غير الصحيح، عالمًا بكونه محرمًا، فأنت آثم، ويحرم من كسبك بقدر هذه البيوع المحرمة، بخلاف البيوع الصحيحة، فما يقابلها من الكسب مباح.

وفي هذه الحال، عليك أن تتوب إلى الله مما مضى، وتتخلص من القدر المحرم من كسبك السابق، بصرفه في المصالح العامة، وتمتنع من البيوع المحرمة مستقبلًا.

أمّا إذا كنت أقدمت على هذه المعاملة جاهلًا بالحكم الشرعي، أو جاهلًا بطبيعة المعاملة، بسبب تفريطك في السؤال، فأنت آثم بترك السؤال، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: وأما الإقدام على التصرف الباطل مع عدم العلم، فهذا يشمل الناسي، والجاهل. والأصل بالنسبة للجاهل: أنه لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه، فمن باع وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله في البيع، ومن آجر، وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله في الإجارة، ومن صلى، وجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في هذه الصلاة، وهكذا في كل ما يريد الإقدام عليه؛ لقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم}، فلا يجوز الشروع في شيء حتى يعلم حكمه، فيكون طلب العلم واجبًا في كل مسألة، وترك التعلم معصية يؤاخذ بها. اهـ.

وحكم كسبك السابق في هذه الحال: محل خلاف بين أهل العلم، والراجح -والله أعلم- حلّه لك، قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: الذي يظهر لي: أنه إذا كان لا يعلم أن هذا حرام، فله كل ما أخذ، وليس عليه شيء، أو أنه اغتر بفتوى عالم أنه ليس بحرام، فلا يخرج شيئًا، وقد قال الله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ {البقرة:275}. أما إذا كان عالمًا، فإنه يتخلص من الربا بالصدقة به، تخلصًا منه، أو ببناء مساجد، أو إصلاح طرق، أو ما أشبه ذلك. اهـ.

أمّا إن كان المقصود خلاف ذلك، فنرجو أن تبينه لنا؛ حتى نجيب عنه -إن شاء الله تعالى-.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني