الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طلاق الزوجة الثانية لأجل الأولى

السؤال

منذ سنة تزوجت رجلًا متزوجًا من زوجة أولى، وكانت تعلم بأمر زواجه، وأنا كنت مطلقة وعندي بنت، واستأجر لي شقة بعيدة عنها جدًّا، ومنذ زواجي بدأت هي في الانهيار -عصبيًّا- واتهامه بالخيانة، وقالت له جملة صريحة: (كنت أقمت معها علاقة من غير زواج، أنا لم أتوقع أنك ستتزوجها فعلًا، والعياذ بالله)، وكانت تتصل به في الأيام التي يبيت عندي فيها، تقول له: إنه يحدث أشياء غير طبيعية في شقتها؛ كأن يفتح التلفاز من تلقاء نفسه، والباب يطرق، وتفتح فلا تجد أحدًا .... وشيئًا فشيئًا اتهمتني بالسحر! وأني أنا من يفعل ذلك، ويشهد الله أني بريئة، لا أفوت فرضًا، ولا قيام الليل، وأهملت أولادَها، وأهملت دراستهم، وكانت تصرخ وتلطم وتتشنج، وتقول: إنها تراني في شقتها ليلًا ثم أختفي، وتتصل به فيخبرها أنني نائمة بجانبه، فكيف أكون عندها بعد منتصف الليل!
واستمر هذا الحال شهرًا حتى صدقها زوجي، واتهمني بالسحر -والعياذ بالله- وقال لي: إنها تقول أشياء تحدث بيني وبينه صحيحة جدًّا، ووصفت العلاقة بيني وبينه بالضبط، وأنه ذهب إلى شيخ وأخبره أني أنا من يفعل ذلك في زوجته الأولى؛ كي تنهار، وتصاب بالجنون، وصدّقه زوجي، وأصبح الشك داخله من ناحيتي.
وقرأ زوجي فتوى أنه إذا كانت الزوجة الأولى متضررة من الزواج الثاني، فلا حرج عليه من طلاق الثانية؛ كي تستقيم حياته وحياة أولاده، فأين حياتي أنا؟ وأين حقي أنا؟ وأنا لم أطالبه يومًا بطلاقها أبدًا، أو أخذ حق من حقوقها نهائيًّا، والله شاهد عليّ.
وطلقني زوجي لأنه صدق كلام زوجته الأولى، وكلام الشيخ، ويشهد الله عليّ إني لم أفعل شيئًا، ولم يصدقني أني بريئة، ولم يرحمني ويرحم حالي أني يتيمة، وبلا إخوة، مع أني رجوته أن يظل معي حتى وإن بات معي يومًا واحدًا في الأسبوع، ورفض ولم يوافق.
وأصبحت مطلقة للمرة الثانية في مجتمع لا يرحم المطلقة للمرة الأولى، وما زلت أتجرع مرارة نظرات الناس وكلامهم السيئ منذ شهور.
وأعطاني حقوقي المادية كاملة، ولكنه لم يبالِ أني بريئة، ولم يبالِ بنظرة المجتمع لي، ولا بما سأواجهه، وطلقني بعد أقل من شهرين من الزواج بلا ذنب اقترفته، فما حكم الشرع فيما حدث لي؟ وهل الطلاق للأسباب المذكورة في قصتي من رمي بالسحر، وزرع الشك داخل زوجي السابق شيء عادي؟ وهل الحقوق نقود فقط؟ وإذا كان في الزواج الثاني ضرر للزوجة الأولى، فهل يكون الحل طلاق الثانية؟ فلماذا حلله الله إذن؟ وأنا من دفع الثمن من سمعتي، وكلام الناس عني، مع العلم أني قبل زواجه مني سألته إن كانت زوجته قبل زواجهم اشترطت عليه أن لا يتزوج عليها، فقال لا، وتأكدت أنا منها شخصيًّا قبل زواجي منه من هذا الأمر، أي أنني راعيت كل حقوقها التي حددها الله، ولكن وقع الأمر عليّ بالظلم في النهاية.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان زوجك اتهمك بالسحر دون بينة ظاهرة، فقد أساء وظلم، وأمّا طلاقه لك، فإن كان لحاجة، فهو مباح، وإن كان لغير حاجة، فهو مكروه، وبعض أهل العلم يرى تحريم الطلاق من غير حاجة، قال ابن قدامة -رحمه الله- في كلامه على أقسام الطلاق: ومكروه: وهو الطلاق من غير حاجة إليه، وقال القاضي فيه روايتان: إحداهما: أنه محرم؛ لأنه ضرر بنفسه، وزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه، فكان حرامًا، كإتلاف المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: [لا ضرر، ولا ضرار]. والثانية: أنه مباح. والثالث: مباح، وهو عند الحاجة إليه؛ لسوء خلق المرأة، وسوء عشرتها، والتضرر بها من غير حصول الغرض بها.

وبخصوص الحقوق المادية والمعنوية للمطلقة راجعي الفتوى رقم: 127906.

وحيث تقرر أن الطلاق مباح للحاجة، فطلاق الرجل زوجته الثانية حفاظًا على أولاده من الضياع، ليس من الظلم، ولا من الطلاق المحرم.

نعم، ينبغي على الرجل ألا يقدم على الزواج الثاني؛ حتى يتدبر أمره، وينظر في العواقب، ولا يتعجل، كما ينبغي على المرأة إذا تقدم إليها رجل متزوج أن تتدبر أمرها، ولا تتعجل، لكن إذا حصل الزواج، ولم تستقم الأمور، فالطلاق مباح، وليس الطلاق شرًّا في كلّ الأحوال، بل قد يكون خيرًا، قال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ {النساء:130}، قال القرطبي: أي: وإن لم يصطلحا بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله، فقد يقيّض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني