الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ثمرات الصدقة عن الطفل الميت

السؤال

ابنتي عندها ترايزومي 13 وpatau syndrome. عندما وصلت لسن الرابعة، أصيبت بذات الرئة الحاد، وبقيت أسبوعا في المشفى، وهي عندها trach في رقبتها للتنفس قبل أن تصاب بذات الرئة.
المهم وصلت مرحلة أصبح أكسجينها ثلاثين فقط، والأكسجين الداخل للمخ 25 فقط. وقال الأطباء عندها إنهم يعتبروها ميتة على هذه الأرقام؛ لأنهم وضعوها على أقوى جهاز يعطي الأكسجين، وهو الاسيليتر، ولا زال أكسجينها يعتبر لا شيء، رغم أنهم أعطوها أكبر كمية ممكنة من الأكسجين، وأن رئتها ستنفجر لو استمروا في ذلك؛ لأنها مملوءة بالسوائل والدم، ولا يوجد أي سبب يجعلهم يفضلون إبقاءها على الأجهزة؛ لأن الدماغ لم يصل له أكسجين كافٍ، والرئة متوقفة تماما، وتعمل فقط على الجهاز.
والقلب كانت دقاته 145، وقال الطبيب إنه يعمل بالأدوية، قال: نحقن القلب بالأدوية كي يعمل، ولذلك لا جدوى من إبقائها على الأجهزة. وطلبوا رفعها عنها، ولكننا رفضنا في البداية، ثم بعد أن رأينا جسمها بدأت تنخفض حرارته، وأصابعها بدأت تزرق، وشفتها كذلك، خفنا واستشرنا دار الإفتاء في البلد الذي نعيش فيه، وهو أميركا، وقالوا يجوز شرعا رفعها عنها إن أكد الأطباء أن الرئة والقلب يعملان بالأجهزة فقط. الأطباء يعتبرونها ميتة أصلا، حتى إنهم تركوها وتوقفوا عن فعل أي شيء آخر لها سوى إبقاء الأجهزة عليها؛ لأنهم قالوا: لا يفيدها شيء، وأن قلبها سيتوقف فجأة بسبب السكتة القلبية، وأن هذا مجرد تعذيب دون حصول أي شيء يمكن أن يجعلها تعيش. وفعلا وافقنا، ورفعوا الأجهزة عنها، وما هي إلا أقل من دقيقة، وتوقف كل شيء: قلبها ورئتها أصلا متوقفة، ولكن الألم لا زال يعصر قلبي على أن ما فعلناه قد يكون خطأ يحاسبنا الله عليه.
لا أعرف إن كان جائزا أو لا؟ رغم تأكيدات المفتي بأنه جائز.
أرجو منكم أن تقولوا لي هل ذلك جائز؛ لأني بقيت لآخر لحظة أرفض. لكن عندما رأيت أصابعها، ورأيت الأرقام التي قال الأطباء إنها مستحيل أن تكون طبيعية، وأنها ميته أصلا، لكن الأجهزة هي التي تجعلها تعمل، وافقت.
أفيدوني؛ فإني لا أنام من كثرة التفكير. لا أعلم هل هي هواجس شيطان، أم شعوري صحيح، وما عملته كان حراما فعلا؟
وسؤالي الثاني: ابنتي لديها مال خاص بها في البنك، أعطته الدولة لها.
فهل يعتبر إرثا؟ ومن هم الورثة، علما أنها ماتت عني أنا أمها، وأب، وأخ وأخت.
وسؤالي الأخير: أريد أن أدفع لها صدقات، وأهدي ثوابها لها.
هل يصح ذلك؛ لأنها طفله، وليس لها ذنوب -رحمها الله-؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا حرج عليكم في عملكم بفتوى دار الإفتاء عندكم، فقرار الأطباء برفع أجهزة الإنعاش عن ابنتكم، كان بالنظر إلى حالتها الميئوس من علاجها، وتوقف الوظائف الحيوية عندها إلا بفعل الأجهزة. كما يدل عليه قول السائلة: (قال الأطباء: إنها مستحيل أن تكون طبيعية، وأنها ميتة أصلا، لكن الأجهزة هي التي تجعلها تعمل).

وهذه من الحالات التي يجوز فيها رفع أجهزة الإنعاش عن المريض. وانظري في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 280387، 176419، 336229.
وأما السؤال الثاني، فجوابه: أن هذا المال الممنوح من الدولة لابنتكم، يعتبر من تركتها بعد وفاتها، يقسم على ورثتها الشرعيين بحسب أنصبتهم، وهم هنا: الأم والأب؛ لأن الأخ والأخت محجوبان بالأب، فللأم السدس فرضا؛ لوجود جمع من الأخوة. والباقي للأب؛ لقوله تعالى: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ {النساء:11}.
وأما السؤال الثالث، فجوابه: أن ذلك يصح؛ لأن الصدقة لا يقتصر نفعها على تكفير السيئات، ولكن أيضا تُرفع بها الدرجات، وتزيد بها الحسنات، فالطفل وإن لم تكن له ذنوب، إلا أن الصدقة تزيده خيرا.

وقد سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله- عن الصدقة عن الطفل الميت، فقال في جوابه: الذين ماتوا قبل الحلم لا ذنب عليهم، لكن إذا تصدق عنه أهله فهي تزيده خيرًا، الصدقة تزيده خيرا، تنفعه ولو كان صغيرا. اهـ.

وانظري الفتوى رقم: 127265.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني