الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من فضّله والداه بالهبة فهل تجب عليه الزكاة في ذلك المال؟

السؤال

أحسن الله إليكم. عندي حساب في البنك، وقارب أن يحول عليه الحول، والإشكال أن والديّ وهباني عند ابتداء فتح الحساب نحو 200 دينار تفضيلًا على إخوتي، وحاولت إرجاعها، فلم يقبلا، فما الواجب عليّ؛ كي تصح زكاتي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فإذا فضلك والداك بالهبة على بقية أولادهما لمسوغ شرعي، فإنه لا حرج في قبول ذلك المال، وانظر الفتوى رقم: 389326.

وأما إذا لم يعدل والداك في الهبة: بأن فَضَّلاك في الهبة على بقية أولادهما من غير مسوغ شرعي للتفضيل، فإن الهبة تحرم في القول المفتى به عندنا، ويلزمك إعادة المال لهما، ولو دون علمهما.

وفي هذه الحال؛ لا تجب عليك زكاة ذلك المبلغ؛ لأنه لم يستقر في ملكك ما دامت الهبة جائرة، ومن شروط الزكاة في المال استقرار الملك، كما قال صاحب الروض في شروط وجوب الزكاة: تَجِبُ بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: حُرِّيَّةٌ، وإِسْلاَمٌ، وَمُلْكُ نِصَابٍ، واسْتِقْرَارُهُ ... اهـ، قال ابن عثيمين في شرحه: استقراره: أي: استقرار الملك، ومعنى كونه مستقرًّا: أي: أن ملكه تام، فليس المال عرضة للسقوط، فإن كان عرضة للسقوط، فلا زكاة فيه. اهـــ.

ويستقر المال في ملك الموهوب له عند الحنابلة القائلين بعدم صحة الهبة الجائرة، يستقر المال بموت الواهب قبل رجوعه، أو تسويته، كما قال صاحب كشاف القناع: (وَإِنْ مَاتَ) الْمُخَصِّصُ، أَوْ الْمُفَضِّلُ (قَبْلَ التَّسْوِيَةِ) بَيْنَ وَرَثَتِهِ (ثَبَتَ) أَيْ: اسْتَقَرَّ الْمِلْكُ (لِلْمُعْطَى) ..اهــ، فهذا يدل على أنه قبل ذلك ليس مالًا مستقرًّا في الملك، ولا زكاة في غير مستقر الملك، كما قدمنا.

وعليه؛ فإن كان المال الذي عندك يبلغ النصاب بدون ذلك المبلغ الموهوب، فإنه لا علاقة بين صحة الزكاة وبين رد الهبة، فيجب عليك إخراج الزكاة عن مالك البالغ النصاب عند حولان الحول القمري عليه، ومقدارها ربع العشر، أي: 2.5%.

وإن كان المال ينقص عن النصاب بدون ذلك المبلغ، فرد المبلغ -كما ذكرنا-، ولا زكاة عليك في ذلك المال ما دام قد نقص عن النصاب، بل لا تصح الزكاة قبل بلوغ المال النصاب، قال ابن قدامة: وَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ ‏الزَّكَاةِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ ‏عَلِمْنَاهُ، وَلَوْ مَلَكَ بَعْضَ نِصَابٍ، ‏فَعَجَّلَ زَكَاتَهُ، أَوْ زَكَاةَ نِصَابٍ، لَمْ ‏يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ تَعَجَّلَ الْحُكْمَ قَبْلَ سَبَبِهِ. ‏اهــ. وجاء في الموسوعة الفقهية عن تعجيل الزكاة قبل وقتها: وَاشْتَرَطُوا لِجَوَازِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ مَوْجُودًا، فَلاَ يَجُوزُ تَعْجِيل الزَّكَاةِ قَبْل وُجُودِ النِّصَابِ، بِغَيْرِ خِلاَفٍ. اهــ.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني