الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سؤال المرأة طلاقها أو طلاق الزوجة الثانية لبقائها

السؤال

أنا مسلم عربي، عندي زوجة من بلدي، ورزقت منها ثلاثة أطفال، وقبيل زواجي منها سافرت للعمل في بلد أجنبي، واستقدمت زوجتي بعد زواجنا، ولم تكن ظروف الإقامة والعمل مستقرة، فاضطررت لإرسالها إلى بلدنا بعد إنجاب طفلنا الأول بفترة، وكانت تأتي إليّ لمامًا؛ نظرًا لظروف الإقامة غير المستقرة، فقد كنت أعمل في أعمال شاقّة؛ لأني لم أجد وظيفة تناسب مؤهلي الدراسي، ولا تؤهلني هذه الأعمال لاستقدام أسرتي، وزوجتي -حفظها الله- في هذه الفترة (٣ سنوات) كانت تقيم عند أهلها، وكانت وفية وصبورة، تحملت ظروفي هي وأهلها، ورزقنا خلال تلك الفترة طفلًا آخر، كانت له ظروف صحية بعد الولادة، وتحملت هي وأهلها كل هذا، وكانت العلاقة بيني وزوجتي تشوبها شائبة؛ رغم صبرها ووفائها الذي لا أنكره، وهي أني كنت أشعر منها بعدم الاحترام لي كزوج، وبدوام الشكوى كلما تحدثنا، وفي الجانب الآخر اشتكت هي من انفعالي، واتصالي على فترات متباعدة، والذي كان من أسبابه الإرهاق في العمل، بالإضافة إلى أن كل مكالمة تقريبًا كان يحدث فيها شد وجذب، في حين أني كنت محتاجًا إلى زوجة أخفف بالحديث معها همي في غربتي، ووحدتي.
انتهت تلك الفترة، ورزقني الله وظيفة محترمة، تمكنت بها -بفضل الله- من استقدام زوجتي وأطفالي، وتخيلت أن المشاكل بيننا سوف تهدأ، لكنها زادت، وسببت لي تلك المشاكل ضغطًا نفسيًّا كبيرًا؛ حتى أني أصبحت أقصر في عملي كثيرًا؛ لدرجة أن رئيسي في العمل هددني بشكل غير مباشر بالفصل، وفكرت في الانفصال، لكني أحب زوجتي كثيرًا، ولا أتحمل الحياة دونها رغم المشاكل، وهي تحملت عني الكثير هي وأهلها، ثم فكرت في الزواج الثاني لعله يكون سببًا في تخفيف الضغط عني وزيادة صبري، وبدأت البحث، وكانت معاييري هي امرأة دينة عاقلة تكبرني سنًّا تكون أرملة، أو مطلقة، وقد وضعت تلك المعايير لأني لم أردها أن تكون بديلًا لزوجتي، وفي نفس الوقت أكسب أجر جبر كسر مسلمة مطلقة، أو أرملة، وتعرفت إلى أم يتيم في بلد أجنبي مسلم، وكانت أرملة تكبرني سنًّا، واتفقنا على الزواج، لكن هذا لم يكن بعلم زوجتي، وحين استشرتها في الأمر أبدت ممانعة كبيرة، وقالت: إنها لا تستطيع العيش معي في وجود زوجة ثانية أبدًا، حتى إن كانت كبيرة في السن، أو أرملة، حتى أنها أصيبت بإغماء حين حدثتها عن الأمر جديًّا، وظننت أن هذا من الغيرة، وكانت المشاكل بيننا وصلت إلى مرحلة صعبة، فأكملت طريقي وتزوجت، وحاولت أن أمهد لزوجتي الأولى لأخبرها، فأخبرتها عن زوجتي الثانية أنها أم يتيم أنا أكفله، وكانت زوجتي الثانية تبعث معي لها ولأولادي ببعض الهدايا؛ تأليفًا لقلبها، ولتهوين الأمر عليها حين تعرف بزواجنا، وكانت زوجتي الثانية دائمة السؤال عن أحوال زوجتي الأولى، ودائمًا تنصحني أن أخبرها في أسرع وقت، ودائمة الدعاء لي ولها بالخير، وفي تلك الفترة قصرت في حق زوجتي الأولى كثيرًا؛ لأنني بحكم عملي كثير السفر لبلاد مختلفة، وهي كانت تعتني وحدها بالأطفال في غيابي، وعند وجودي لم يكن الوضع بيننا كما توقعته أنه سيكون أفضل بعد زواجي الثاني، بل صار أسوأ، والسبب أن السر كان يخنقني، ورأسي وقلبي يمتلئان بالخوف والقلق مما ستفعله زوجتي الأولى حين تعرف، وأنها قد تطلب الطلاق، وتنهدم أسرتي، ويضيع أولادي؛ فلهذا السبب كنت أعاملها بعصبية؛ لأن الشيطان كان دائمًا يضعها في مخيلتي أنها ستكون عدوتي في المستقبل بمجرد أن تعرف.
وجاء اليوم الذي علمت فيه، وكانت لها صدمة، ودخلت في حالة من البكاء والقيء؛ حتى أنها لم تأكل لأيام إلا قليلًا، وحاولت أن أشرح لها الأسباب، وأني اخترت الثانية بمواصفات معينة؛ كي لا تكون بديلًا عنها، لكنها لا تقبل الفكرة، خصوصًا حين علمت أنني أرتاح في الكلام مع الأخرى أكثر منها، وكان هذا خطئي أنها عرفت ذلك، فأصبحت لا تتحمل الغيرة، خصوصًا أنها قالت: إنها تحبني جدًّا، ولا تستطيع أن تتخيلني مع أخرى أبدًا، وبدأت نفسيتها تهدأ قليلًا، وتغيرت معاملتي لها، وأصبحت أعاملها بلطف قدر ما أستطيع، رغم بعض المشاحنات بسبب الغيرة؛ لأن السر قد خرج ولم يعد يخنقني.
المشكلة الآن أنها ما زالت مصرة على أن أطلقها، أو أطلق الثانية، وإن طلقت الثانية، فسيقع لها ضرر بالغ، فأنا شخص أجنبي عن بلدها، وقد قبلتني زوجًا، وبذلت الكثير من الجهد لإقناع أهلها بي؛ لأني أحفظ القرآن، رغم أن زواجها بأجنبي هو ضد تقاليد بلدها، وإن طلقتها الآن ستكون في أعين الناس كالعاهرة التي خدعها أجنبي أخذ غرضه منها ثم رماها، وإن لم أفعل، فستطلب أم أولادي الطلاق، وأهلها يشجعونها على ذلك، وأعترف أني أخطأت حين فكرت في بناء بيت ثان كحل لفشلي في إدارة البيت الأول، وأخطأت في حق زوجتي الأولى التي صبرت معي وحفظتني، فتزوجت رغم علمي أنها ترفض، وأخطأت في تسرعي في الزواج الثاني قبل أن نبذل معًا جهدًا للإصلاح باستشارة أهل العلم، والآن اتفقنا أنا وزوجتي الأولى أن نحتكم إليكم، فأفتونا -بارك الله فيكم-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالذي ننصحك به أن تمسك زوجتيك، ولا تطلق واحدة منهما، وأن تعاشرهما بالمعروف، وتعدل بينهما، وأن تحسن إلى زوجتك الأولى، وتصبر عليها، وتتجاوز عن هفواتها، وتحرص على ما يجلب مودتها، وتجتنب ما يثير غيرتها.

ونصيحتنا لها أن تصبر، وتعلم أنّه لا يجوز لها أن تسألك تطليق زوجتك الأخرى؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، فإنما لها ما قدر لها. صحيح البخاري.

ولتحذر أن تحملها الغيرة على هدم بيتها، فإن الطلاق ليس بالأمر الهين، وإنما هو هدم للأسرة، وحرمان للأولاد من النشأة السوية بين الأبوين، وفيه من الأضرار النفسية، والاجتماعية للمرأة والأولاد ما لا يقاس بأضرار عيشها مع زوجها المتزوج بغيرها.

وننبهها إلى أنّ مجرد زواجك بأخرى، ليس فيه ظلم لها، أو إساءة إليها، أو قدح في محبتك لها، فالنبي صلى الله عليه وسلم تزوج على نسائه، وهو صلى الله عليه وسلم أعظم الناس وفاء وإحسانًا لأزواجه، قال صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي.

وقد تزوج على عائشة رضي الله عنها، وهي أحب الناس إليه، ولم يكن ذلك قدحًا في محبته لها، ومكانتها عنده، فقد روى عَمْرُو بْنُ العَاصِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلاَسِلِ، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ» ... متفق عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني