الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السعي في الإصلاح بين الأقارب خير من القطيعة

السؤال

لدي استشارة وهي عن قطيعة الرحم لدفع الضرر. حيث لدي أخت متزوجة من ابن عمي، وهو شارب للخمر، وكان يؤذيها ويضربها، وكانت صابرة لأجل أبنائها، واستمرت على هذه الحال سنوات إلى أن ساءت حالتها النفسية، عندها تدخل إخوتي وذهبوا إلى ابن عمي، وتشاجروا معه وضربوه. عندها غضب عمي، وجاء بيتنا وشتمنا، وشتم أبي المتوفى وضربنا. ولم نرد على إساءته بل سكتنا. أيضا كان ابن عمي يهدد وصارت مشاجرات أخرى. إلى أن وصلت الأمور إلى الشرطة، وبدأت القطيعة. فلم تكن قطيعة فقط، بل كان هناك أذى يأتينا منهم؛ حيث أبناء ابن عمي الذين هم أبناء أختي يرمون بيتنا بالحجارة، وكانوا يأتون عند بيتنا، وإذا رأونا يشتموننا ويسبوننا أمام الناس، وأيضا وصلت أذيتهم إلى ممتلكاتنا من سيارات. كنت لا أستطيع الوقوف أمام البيت خوفا من التعرض للإهانة والإحراج أمام الناس، وكنت إذا أردت أن أخرج من البيت أخرج على عجل، وإذا أردت العودة للبيت لا أرجع إلا في وقت متأخر؛ خوفا من التعرض للإهانة، وكنا نشتكي ولكن لا جدوى، وكنا إذا اشتكينا للشرطة يتوقفون فترة ثم يعودون. واستمر هذا الوضع مدة سبع سنوات، ولم يكفوا عن ذلك إلا بعد أن غيروا مسكنهم إلى منطقة أخرى بعيدة عنا. عندها ارتحنا كثيرا من الأذى الذي عانيناه سنوات. لكن في نفس الوقت أفكر في قطيعة الرحم التي حصلت. أختي لم نقطعها وعلى صلة بنا. لكن أبناؤها وأبناء عمي على قطيعة معهم منذ سنوات طويلة؛ بحيث لا نستطيع صلتهم. لأننا لو ذهبنا إليهم قد يحصل ما لا تحمد عقباه. نحن في بيتنا لم نكن نسلم من أذاهم فكيف لو ذهبنا إليهم. لو القطيعة بسبب سوء استقبال أو حسد أو أي أمر مشابه لكنا تحملنا ذلك لكن السبب أكبر من ذلك، وهناك أمور أخرى لم أذكرها. فما رأيكم في هذا الموضوع؟ وهل نأثم على ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن الغريب أن يصل الحال بين أبناء العمومة، ومن في هذه الدرجة من القرابة إلى هذا الحد من الأذى والقطيعة، وهم بينهم قرابة ومصاهرة، ورحم تجب صلتها، وتحرم قطيعتها. والمرجو من مثلهم أن تكون بينهم الألفة والمحبة، ويسود بينهم التعاون والتناصر، فلا حول ولا قوة إلا بالله!!!. ولتراجع في أمر الرحم الفتوى رقم: 116567، وفي التهاجر بين المسلمين الفتوى رقم: 25074.

وإن كان زوج أختكم - وهو ابن عمكم - يؤذيها ويضربها فلا شك في أن هذا ظلم واعتداء، ولكن كان الأولى أن يتدخل العقلاء كما أمر الله تعالى ليصلحا بينهما، فإما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {النساء:35}، ولكن الشأن كل الشأن في عدم تحري الحكمة، وفي معالجة الخطأ بالخطأ، وهو ما أدى إلى تفاقم المشكلة.

فالذي نوصي به هو البحث عن سبيل للإصلاح، وتوسيط بعض أهل الفضل، فالإصلاح من أعظم القربات، وفيه كثير من الفضائل، ولذا اهتم به الشرع ووردت بخصوصه نصوص الكتاب والسنة كما هو موضح في الفتوى رقم: 50300، والفتوى رقم: 117937. ولا ينبغي اليأس أبدا، فالله عز وجل على كل شيء قدير، وقلوب العباد بين يديه، فتوجهوا إليه بالتضرع والدعاء، فهو السميع المجيب، والقائل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}. فإن تم الإصلاح فذاك، وإلا فالإثم على من يصر على القطيعة، وخير المتخاصمين من يبدأ بالسلام.

أما أذيتهم لكم وإساءتهم عليكم فليست عذرا في ترك صلتهم أو سببا مبيحا لقطيعتهم، بل تسقط من وسائل الصلة ما يتسبب في الإساءة والأذى، وتجب الصلة بما هو ممكن من الوسائل الأخرى كالاتصال وغيره، وتراجع الفتاوى ذات الأرقام: 196331، ‎ ،136334‎ ‎ 228394 ، 75324 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني