الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

انتساب الشخص في الأوراق الرسمية لغير قبيلته

السؤال

أقرت الدولة مرسومًا بتعديل أسماء بعض القبائل؛ لأنه حدث خلط في بعض الأسماء، وكانت هناك شروط، من استوفى هذه الشروط فلا يتغير اسم قبيلته، ونحن كنا من ضمن من استوفى شروطها، لكن الدولة لم ترجع لنا اسم القبيلة الأصلية لأسباب مجهولة، ولكن أبناء القبيلة لا زالوا يتابعون الموضوع مع الدولة، ولا جديد منذ 15 سنة، فصار أن البعض عنده اسم القبيلة الأصلية، والبعض يحمل اسم القبيلة المعدلة.
زوجي يحمل اسم القبيلة الأصلية، وإذا قام بتجديد الجواز فسيتغير اسم قبيلته، وبناته لا يحملن جوازًا، ولا شهادة ميلاد، ولا بد أولًا أن يغير هو إلى الاسم الجديد حتى يحصلن على شهادة الميلاد، وزوجي حريص على عدم تغيير اسم القبيلة؛ لأنه يعرف عقوبة هذا الشيء في الدين، وبناتي لا بد أن يأخذن تطعيمًا، وأمورًا كثيرة متوقفة بسبب الجواز، وأمي مريضة، ولا بد أن أسافر لكي أراها، ومضطرة لأخذ البنات، فهل يجوز لزوجي أن يغير اسم القبيلة في ظل هذه الظروف؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فقد سبق أن بينا في عدة فتاوى أنه لا يجوز للشخص أن ينتسب لغير قبيلته، سواء تعلق الأمر بالانتساب في الأوراق، أم غيرها؛ لما ثبت من الوعيد الشديد في حق من انتسب لغير أبيه، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: لا يحل له أن ينتسب إلى غير أبيه وهو يعلم أنه ليس بأبيه، فمثلًا إذا كان أبوه من القبيلة الفلانية، ورأى أن هذه القبيلة فيها نقص عن القبيلة الأخرى، فانتمى إلى قبيلة ثانية أعلى حسبًا لأجل أن يزيل عن نفسه عيب قبيلته؛ فإن هذا -والعياذ بالله- ملعون، عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلاً. وأما إذا انتمى الإنسان إلى جده وأبي جده، وهو مشهور ومعروف دون أن ينتفي من أبيه، فلا بأس بهذا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا ابن عبد المطلب، أنا النبي لا كذب، مع أنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، فعبد المطلب جده، ولكنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك في غزوة حنين؛ لأن عبد المطلب أشهر من أبيه عبد الله، وهو عند قريش في المكانة العليا؛ فلهذا قال: أنا ابن عبد المطلب، لكنه من المعلوم أنه محمد بن عبد الله، ولم ينتف من أبيه ... اهــ.

وانظري الفتوى رقم: 170145، والفتوى رقم: 160945، والفتوى رقم: 317329.

ويُستبعدُ أن تُجبر الدولة المسلمة مواطنيها على استبدال أنسابهم، والانتساب لغير قبائلهم الحقيقية، كما نستبعد أيضًا أن تجبر الدولة مواطنيها على كتابة اسم قبائلهم في المستندات الرسمية، والمتعارف عليه أن يُكتب فيها الاسمُ، واسمُ الأبِ والجدِّ، ولقبُ العائلة، وهذا الأخير لا حرج في تغييره إلى اسم مهنة، أو مدينة يُقِيمُ فيها، ونحو هذا، وأما إلى قبيلة أخرى، فهذا من الانتساب لغير الأب، ولا يجوز، كما ذكرنا.

ولو فُرِضَ أن هذا واقع، فإنه لا يجوز أن تُطَاعَ الدولة في ذلك؛ إِذْ طَاعَةُ وُلاَةِ الأمرِ إنما تكون في المعروف، لا في المعصية، لكن إذا ترتب ضرر، ومشقة غير محتملة على المواطن في عدم طاعتها، كسجن، أو منعٍ من استخراج المستندات الرسمية، كشهادة الميلاد، ونحوها مما لا بد منه، فإننا لا نرى مانعًا في هذه الحال من تغيير ذلك في الأوراق الرسمية فقط؛ لقول الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام:119}، مع الاحتفاظ بالنسب الحقيقي في التعارف، والاستعمالات غير الرسمية، ومع بذل الجهد القانوني في استرداد النسب الحقيقي.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني