الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فسخ الإجارة بسبب سوء الجوار وما يترتب عليه من أحكام

السؤال

استأجرنا شقة بعقد إيجار سنوي أربع دفعات، بحيث يكون دفع الإيجار لثلاثة أشهر مقدما، لكننا دفعنا إيجار شهر واحد، ولم ندفع العمولة إلى الآن، وطلبنا مهلة لدفع الباقي، فوافق المؤجر. بعدما سكنا فيها، وجدنا أن الشقة بها مشاكل، فالجار لهذه الشقة، أزعجنا وآذانا كثيرا. وفي إحدى الليالي عندما كان الوالدان خارج البيت، وذهبا إلى السوق، فتح الجار دخانا كثيفا جدا في فتحة المكيف بحيث يصعب التنفس، فطلبنا رجال الإطفاء. وبعد التحقيق وجدوا أن الدخان مصدره بيت ذلك الجار، مما سبب لنا قلقاً وخوفا على حياتنا من البقاء في ذلك البيت، فذهبنا لنسكن عند أحد أقاربنا، ومكثنا هناك عشرة أيام. بعدما علم المؤجر أننا نريد ترك الشقة، اتصل وطلب مبلغا لفسخ العقد، مع أن المشكلة من البيت، ولم نستطع إكمال شهر واحد في تلك الشقة. وقال إنه كان ينبغي علينا إخباره قبل تركنا الشقة بشهر، أننا سنخرج، فهكذا أجبرنا على العودة إلى هذه الشقة مجددا، وأغلق تلك الفتحات التي خرج منها الدخان، فمكثنا هناك إلى أن وجدنا سكنا آخر.
وأيضا كان هذا الجار يرش أشياء ذات روائح كريهة ومؤذية أمام بيتنا، وكنا دائما نعاني من هذه الروائح عندما كنا نسكن هناك. كان الجار دائما لا يدع مصباحا على عتبة الباب إلا ويطفئه. وفي إحدى الليالي اشترينا مصباحا وركبناه أمام شقتنا، لكن الجار سرعان ما خرج من شقته وأخذ مصباحنا، ثم رجع إلى شقته عندما كنا داخل بيتنا بعد تركيبنا المصباح في نفس الليلة.
تحدثنا مع المؤجر بخصوص هذا الجار، لكنه بدأ يختلق الأعذار له مثلا يقول المؤجر إن هذا الجار كان يشوي في تلك الليلة، لكنه نسي ونام وترك الشواء، فحدث الدخان -مع أن رجال الشرطة الذين جاءوا مع رجال الإطفاء في تلك الليلة، أكدوا أنه يمنع الشواء داخل البيت- أو أنه يرش أمام الباب ليقتل الحشرات، أو أنه لا يريد مصباحا أمام الباب لكيلا تتجمع الحشرات وهكذا.
دفعنا إيجار الشهر الأول، والبيت كان معنا لشهرين، ولكن أخبرنا المؤجر أننا سنخرج عندما نجد بيتا آخر؛ فوافق أن نخرج، لكنه قال: اعطوني إيجارا.
السؤال: كم إيجارا يجب إعطاء هذا المؤجر -مع أن الشقة كانت بها مشاكل كثيرة، وكان هناك تهديد لحياتنا، وعانينا كثيرا بسبب إهمال هذا المؤجر، وإسكانه لهذا الجار، وخلق الأعذار له وعدم مواجهته- بما أن الدفع كان لثلاثة أشهر، ونحن دفعنا شهرا واحدا إلى الآن، وكانت الشقة بحوزتنا لشهرين، والمؤجر يطلب عمولة أيضا؟
هل يلغى العقد بسبب هذه المشاكل، ولا يصل المؤجر أي شيء، أو ندفع المدة التي كانت الشقة بحوزتنا رغم المشاكل؟ وهل ندفع له العمولة رغم إيذائنا وإيجاره للشقة مع علمه بذلك الجار؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبداية ننبه الأخ السائل على أن الإجارة من العقود اللازمة لطرفي العقد، فإذا انعقدت لم يصح فسخها من أحد الطرفين منفردا، إلا بعذر.

والأعذار التي تنفسخ بها الإجارة، محل خلاف بين أهل العلم، والجمهور على أنها لا تفسخ إلا بعذر شرعي، أو حسي يتعلق بمصلحة عامة، وراجع تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 46107.
وأما بخصوص فسخ الإجارة، أو رد البيت المستأجر بسبب سوء الجوار، فهذا محل خلاف بين أهل العلم، فعده بعضهم عيبا ترد به الدار المستأجرة.

قال عليش المالكي في شرحه لمختصر خليل: قال ابن يونس: من اكترى دارا فوجد لها جيران سوء، فله ردها؛ لأنه عيب. ولهذا قال الإمام مالك -رضي الله تعالى عنه- فيمن اشترى دارا، فإذا لها جيران سوء: إنه عيب ترد به.

قال الشاعر:
يقولون لي بعت الديار رخيصة ولا أنت مديون ولا أنت مفلس
فقلت لهم كفوا الملامة واقصروا بجيرانها تغلو الديار وترخص. اهـ.
وجاء في شرح الحطاب لمختصر خليل: قال الوانوغي: البق عيب ولو في السرير، وكثرة النمل عيب، وفي سوء الجار خلاف. (قلت:) الصواب أنه ليس بعيب؛ لأنه ليس براجع إلى شيء من أحوال المبيع. وفيما قاله نظر، والخلاف الذي في سوء الجار حكاه في الطراز، قال في الموازية: سوء الجار في الدار المكتراة عيب ترد به إذا لم يعلم، وقال غيره: ليس ذلك عيبا في البيع، وقد قال أبو صالح الحراني: سمعت مالكا يقول: ترد الدار من سوء الجيران. ولم يأت إلا من هذا الطريق. المشذالي في العاشرة من الجزء الخامس من كتاب الجامع من سماع ابن القاسم. قال مالك كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الجار السوء، في دار إقامة. ابن رشد: المحنة بالجار السوء عظيمة، وقد روي عن مالك أن الدار ترد من سوء الجار.اهـ.
وقال الزرقاني في شرحه: من اكترى أو اشترى دارا لها جيران سوء، فعيب ترد به. اهـ.
ولا يخفى أن الحكم بسوء الجوار وما يترتب عليه من أحكام، يحتاج إلى حكم قاض شرعي، أو من يقوم مقامه. وهذا إن ثبت أو حصل، فإنما يكون في بقية مدة العقد، أما المدة التي كانت الشقة فيها بحوزة المستأجر، فهذه أجرتها مستحقة للمؤجر.

وأما العمولة فإنها تُستحَق لصاحبها بإتمام عمله، وهذا يختلف بحسب الاتفاق، وبحسب العرف الجاري في بلدكم، فالحكم فيها هي الأخرى يحتاج إلى قاض، أو من يقوم مقامه، وانظر للفائدة الفتويين: 115426، 43689.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني