الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم توزيع كفارة اليمين على أقل من عشرة مساكين

السؤال

عندي سؤال يخص كفارة اليمين.
عندنا هنا في الجزائر جمعيات خيرية تضع سلات في المحلات؛ لجمع المواد الغذائية، وتوزيعها على المحتاجين.
إذا وضعت فيها ما يكفي لإطعام عشرة مساكين: هل يجزئ ذلك، علما أنني لو وضعت مثلا 15 كغ أرز، لا أدري كيف يتم توزيعها: يمكن أن تذهب لعشرة مساكين، ويمكن أن توزع على أقل من عشرة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فعند الجمهور لا بد من دفع الكفارة إلى عشرة، ولا يجزئ دفعها إلى أقل من هذا العدد، وذهب الحنفية إلى جواز إطعام مسكين واحد المقدار الواجب، وذلك بشرط أن يدفعها إليه في عشرة أيام، وقال الأوزاعي: يجوز دفعها لمسكين واحد.

وهاك أقوال العلماء في المسألة، كما في المغني: المكفر لا يخلو إما أن يجد المساكين بكمال عددهم، أَو لا يَجِدَهُمْ. فَإِنْ وَجَدَهُمْ، لَمْ يُجْزِئُهُ إطْعَامُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَلَا أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَأَجَازَ الْأَوْزَاعِيُّ دَفْعَهَا إلَى وَاحِدٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إنْ خَصَّ بِهَا أَهْلَ بَيْتٍ شَدِيدِي الْحَاجَةِ، جَازَ، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ، حِينَ أَخْبَرَهُ بِشِدَّةِ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ أَهْلِهِ: (أَطْعِمْهُ عِيَالَك) وَلِأَنَّهُ دَفَعَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى إلَى مَنْ هُوَ مَنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَأَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ دَفَعَ زَكَاتَهُ إلَى وَاحِدٍ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَجُوزُ أَنْ يُرَدِّدَهَا عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ، إنْ كَانَتْ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، أَوْ فِي سِتِّينَ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَحَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدْ؛ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ قَدْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا مَا يَجِبُ لِلْمِسْكِينِ، فَأَجْزَأَ، كَمَا لَوْ أَعْطَى غَيْرَهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَ هَذَا الْمِسْكِينَ مِنْ كَفَّارَةٍ أُخْرَى، أَجْزَأَهُ، فَكَذَلِكَ إذَا أَطْعَمَهُ مِنْ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ.

وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89]. وَمَنْ أَطْعَمَ وَاحِدًا، فَمَا أَطْعَمَ عَشَرَةً، فَمَا امْتَثَلَ الْأَمْرَ، فَلَا يُجْزِئُهُ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ كَفَّارَتَهُ إطْعَامَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، فَإِذَا لَمْ يُطْعِمْ عَشَرَةً فَمَا أَتَى بِالْكَفَّارَةِ، وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَجُزْ الدَّفْعُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، لَمْ يَجُزْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، مَعَ اتِّفَاقِ الْحَالِ. انتهى.

وراجع الفتوى رقم: 137617.

وإذا تقرر لك هذا، فلكي تبرأ ذمتك بيقين، فلا بد من دفع الكفارة إلى عشرة، وهذا كما ذكرنا مذهب الجمهور، وهو الأحوط، فضلا عن كونه الأقوى دليلا.

وعلى هذا، فلا بد أن تشترط على الجمعية إخراج الكفارة على وجهها، ولا يجزئك عند الجمهور الدفع بالكيفية المذكورة، ما لم تعلم أن الكفارة ستعطى لعشرة من المستحقين، ولا يجزئك كذلك عند الحنفية؛ لاشتراطهم الدفع في أيام مختلفة، وهذا خلاف الواقع فيما يظهر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني