الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فوائد الزواج الدنيوية والأخروية

السؤال

عندي مشكلة، كيف أبعد فكري عن الزواج؛ لأن التفكير فيه يجرني إلى ما هو أكبر. بما أني في بلد غربة في أوربا في الوقت الحالي، ولا يتيسر لي حتى في بلدي الزواج، فقد سبب لي هذا الأمر معاناة وتفكيرا زائدا عن الحد، وجعلني أبحث عن صديقة تسليني على الأقل أرتاح، أحس أنه ضياع، فعلا سيشغلني عن دراستي، والمشكلة أني صرت في عزلة، تأتيني أفكار بالانحراف، وأكبح نفسي، وأصرف أفكار الانحراف بقراءة القرآن الكريم، لكن تعود لي بعد ما أنتهي من التلاوة.
فأرشدوني، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالزواج أمر غريزي، يحتاج المرء إليه كحاجته للطعام والشراب أو أشد، وقد جبلت النفوس السوية على التفكير فيه، والطمع في تحقيقه، ولذلك قد يصعب على النفس البعد عن التفكير فيه. والزواج من أمور الخير التي ينبغي المبادرة إليها، ففيه كثير من المصالح العظيمة؛ ومن ذلك إعفاف النفس عن الوقوع في الحرام.

قال النفراوي المالكي في الفواكه الدواني: له فوائد أعظمها دفع غوائل الشهوة، ويليها أنه سبب لحياتين: فانية، وهي: تكثير النسل، وباقية، هي: الحرص على الدار الآخرة؛ لأنه ينبه على لذة الآخرة، لأنه إذا ذاق لذته، يسرع إلى فعل الخير الموصل إلى اللذة الأخروية، التي هي أعظم، ولا سيما النظر إلى وجهه الكريم، ويليها تنفيذ ما أراده الله تعالى وأحبه، من بقاء النوع الإنساني إلى يوم القيامة، وامتثال أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: "تناكحوا تناسلوا" الحديث، ويليها بقاء الذكر، ورفع الدرجات بسبب دعاء الولد الصالح بعد انقطاع عمل أبيه بموته. اهـ.

ونحن لا ندري ما يحول بينك وبين أمر الزواج، ولكن نوصيك بالاجتهاد وبذل الأسباب، ومن ذلك الدعاء بأن ييسره الله لك، فهو سبحانه قريب مجيب فعلق رجاءك به، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.

وإن لم تكن لديك مؤنة الزواج، فقد تجد من يريد إعفاف موليته، ويطلب لها الزوج الصالح، فيرضى باليسير، أو يعينك في أمر الزواج، هذا مع العلم بأن الزواج من أسباب الغنى، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى رقم: 7863.

وإن لم يتيسر لك الزواج فخذ بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا معشر الشباب؛ من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.

واشغل نفسك بما ينفع، وخاصة في أوقات فراغك، واتخذ أصحابا أخيارا يعينونك في أمر دينك ودنياك؛ يذكرونك إذا نسيت، ويعينونك إذا ذكرت.
وأما اتخاذ صديقة فإنه أمر محرم، ويجر إلى الفتنة، وقد يكون سببا من أسباب سخط رب العالمين تبارك وتعالى، فلا يقدم المؤمن على شيء حرمه الله عليه، فقد قال سبحانه: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ {المائدة:5}، والأخدان الخليلات. والظن بأن هذا دواء وهم، فهو ليس دواء ولكنه الداء، فلا يعالج عاقل نفسه به.

وننبهك في الختام إلى أن أهل العلم قد نصوا على أن من يخشى على نفسه الفتنة بالإقامة في البلاد غير الإسلامية تجب عليه الهجرة منها إلى بلد إسلامي يأمن فيه على دينه، وراجع الفتوى رقم: 108355.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني