الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

بعد أن حصلت على إجازة بصعوبة كبيرة بحمد الله، مع أني كررت أول سنة، سامحني الله.
المهم بعد الإجازة، احتككت مع الواقع، وجدته مرا، وهو مبني على ثقافة الاستمتاع والمرح، واتباع الغرب، مما خلف في بلادنا حساسية تجاه الالتزام بتعاليم الإسلام.
اخترت أن آخذ بمهنة التدريس في التعليم الابتدائي كسبب؛ لأنه حلال، وأطيقه، لعل الله يمن علي من خلاله برزقي، ونظرا لظروفي المادية، فأنا لا أستطيع تحري مدرسة حلال خالصة. فقد بلغت من العمر 26 سنة، وأنا لم أخط أي خطوة خوفا من الله وحده. لكن التعليم أضحى تحيطه المنكرات، وأستحي من الله أن أعمل بجنبها وبها، فأينما اتجهت في وسعي أن أجد عارا وحراما، واختلاطا وتبرجا ومنكرات، قد طبعت على القلوب، وأصبحت مألوفة وعادية في المجتمع. لدرجة أن أقرب الناس يقول لي: (هذا هو الواقع، وعليك أن توفر عيشك).
فأتساءل: لماذا أعيش لأجمع الذنوب؟ لماذا أعيش لأحلق لحيتي، وأناقش المعلمات والأستاذات، ولو في شؤون التعليم؟ لماذا ألتزم بعقود وزارات التعليم، لأحرم من الصلاة مع إخواني في المسجد؟
بالله عليكم هل سيقبل الله هذه الأوضاع كعذر؟ أنا الآن واقف أمام خيارين كلاهما مر:
هل أمتنع عن هذه الوظائف المباحة في الأصل؛ لاشتمالها على الحرام والمخالفات، امتناعا مطلقا ابتغاء وجه الله؟ هل هذا قرار صائب؟
فالهدف في هذه الحياة كما يعرفه الكل، هو رضا الله. فهل أجده في تجنب أي عمل فيه مخالفة لأوامر الواحد الأحد، ولا ألتفت لعذر الحاجة، وأثق بأن ما أفعله رضا وصبر، ولو مت على ذلك؟ لوجه الله؟
والله لأصبرن ما دمت حيا، فقد وجدت حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم يتضمن أن من تكفل ألا يسأل الناس شيئا، كفلت له الجنة، فأنا أرى هذا الحديث نعمة جليلة من الله، وأريد أن أجعله نذرا بيني وبين الله مهما حصل لي. إلى أن ألقاه عز وجل، كما كان حال الصحابي الذي لم يسأل أحدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات. فكل أمر المؤمن خير.
أعلم أن الله قد أباح سؤال الناس للمضطر، لكن هذا ليس واجبا علي؛ لأن ثقتي وسؤالي لله وحده. فإن كان مراد السائل الكريم بالعفة الامتناع عن سؤال الناس، ففي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من يستعف يعفه الله، ومن يتصبر يصبره الله، ومن يستغن يغنه الله، ولن تعطوا عطاء خيرا وأوسع من الصبر. متفق عليه. فهو القادر على الجواب، لا الناس، فالناس ما عندهم ينفد، وعطاؤهم لا يسد شيئا، وإنما الله وحده من يعطي ويكفي عبده.
أستشيركم إن كنت على حق؟
شكرا لكم. وفقكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فوجود شيء من المنكرات قلت أو كثرت، لا يسوغ للإنسان أن يترك العمل، ولا يسأل الناس شيئا حتى يموت، والحديث الذي أشرت إليه: مَنْ يَكْفُلُ لِي أَنْ لَا يَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا، وَأَتَكَفَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ؟ رواه أبو داود وغيره، لا يفيد هذا الذي فهمته. وقد قال بعض الشراح إنه لو مات فإنه يموت عاصيا.

قال في عون المعبود: وَاسْتُثْنِيَ مِنْهُ إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَوْتَ؛ فَإِنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ، بَلْ قِيلَ إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْأَلْ حَتَّى يَمُوتَ، يَمُوتُ عَاصِيًا. اهـ.
والذي ننصحك به -أخي السائل- هو العمل في مجال التدريس، فهو مجال مباح في الأصل، مع الاجتهاد في تقوى الله تعالى، والبعد عن المحرمات والمشتبهات، وهذا ممكن لمن استعان بالله تعالى، فتؤدي عملك وتغض بصرك، وليقتصر حديثك مع من يحيط بك من النساء على قدر الحاجة، وبادر إلى الزواج إن كنت عازبا.
والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني