الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدعاء للمسلم من غير المسلم، وحكم رسم الصليب على جبهة المسلم

السؤال

مجال عملي في المواقع السياحية، وهي عبارة عن كنائس قديمة، وتحتاج للترميم، فيأتيها السياح، والأغلب يكونون من النصارى، والموظفون أيضًا من النصارى.
قبل فترة أتى إلى المواقع السياحية الخوري، أو الخادم بالكنيسة، أو كما يسمونه (الأب)، جاء وتبادلنا أطراف الحديث، ولم يعلم أني مسلم، وقبل أن يغادر بقليل قمت لكي أسلم عليه؛ لأودعه، ولكنه وضع يده على جبهتي، وأعتقد أنه رسم الصليب، أو باركني، كما يعتقدون، وقال: الله يبارككم، فهل عليّ إثم؟ وهل أعتبر مرتدًا؟ وماذا يجب عليّ عمله في هذه الحالة؟ علمًا أنه وضع يده فجأة، واستغرق الأمر ثواني معدودة، وهل يؤثر ذلك عليّ من ناحية الوساوس، والكوابيس؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فغفر الله لك، وعفا عنك! فلم يكن يليق بك - وأنت مسلم - أن تسمح لقسيس، أو غيره برسم الصليب على جبهتك! فهذا هو الإشكال، وليس في مجرد دعائه لك، فإن الدعاء للمسلم من غير المسلم – ولو كان راهبًا – لا حرج على المسلم فيه، بل وله أن يُؤّمِّن عليه، فقد روى أبو نعيم في الحلية، عن الإمام الأوزاعي قال: لقي حسان بن عطية راهبًا، فجعل الراهب يدعو له، وحسان يقول: آمين. فقالوا: يا أبا بكر، تُؤمن على دعائه؟! قال: أرجو أن يستجيب الله له فيَّ، ولا يستجيب له في نفسه. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وبوَّب عليه: باب في المسلم يؤمن على دعاء الراهب. ورواه الإمام ابن راهويه في مسنده، وذكر ابن المنذر في الأوسط أنه استدل به على أن أهل الذمة لا يؤمرون بالخروج لصلاة الاستسقاء، ولا ينهون عنه، فإن خرجوا تركوا.

والمقصود أن مجرد سماع دعاء الراهب، بل والتأمين عليه: لا حرج فيه. ولكن مع مراعاة أن لا يكون ذلك على وجه يُشعِر بتعظيم دينه، أو تصحيحه، وأن يتوجه بدعائه إلى الله تعالى، لا إلى المسيح، أو غيره من خلق الله، لأنه لا يجوز لمسلم أن يقر الشرك مختارًا، كما سبق أن نبهنا عليه في الفتوى رقم: 130175.

وأما ما يعرف بالتبريك برسم الصليب، أو الإشارة إلى علامته، فهذا لا يجوز، ولا يسوغ لمسلم قبوله؛ فإن عقيدة الصلب، والفداء، من العقائد الكفرية المصادمة للنص القرآني، كما لا يخفى، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 112776.

وكان الواجب على السائل في هذا الموقف أن يبين أنه مسلم، ومن ثم؛ فلا يُستغرَب منه أن يمتنع، أو يمنع بسرعة حدوث هذا التبريك.

وأما السؤال عن الردة بسبب حدوث ذلك، فنرجو أن لا يصل الأمر إلى هذا الحد؛ لما في قلب السائل من الإنكار، وإن كان ظاهر البدن على الإقرار، ولكون ذلك حدث فجأة، ولم يستغرق إلا ثواني معدودة، فيتصور فيه الذهول، والدهشة التي تعتبر من عوارض الأهلية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: الرجل لو كان يدعو الله، واجتاز في ممره بصنم، أو صليب، أو كنيسة، أو كان يدعو في بقعة، وهناك صليب هو عنه ذاهل، أو دخل كنيسة ليبيت فيها مبيتًا جائزًا، ودعا الله في الليل، لم يكن بهذا بأس. ولو تحرى الدعاء عند صنم، أو صليب، أو كنيسة، يرجو الإجابة بالدعاء في تلك البقعة؛ لكان هذا من العظائم. انتهـى باختصار يسير.

وأما السؤال عن تأثير ذلك على السائل من ناحية الوساوس، والكوابيس؟ فقد يؤثر، وقد لا يؤثر، وليس عندنا ما يجزم به في جواب ذلك، وراجع في حكم دخول الكنائس، ولو على وجه السياحة، وحكم العمل في خدمتها أو بنائها الفتاوى التالية أرقامها: 37925، 10237، 7204، 1723، 10237.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني