الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاج فقدان حلاوة الإيمان والتلذذ بالمعاصي

السؤال

لا أشعر بحلاوة الإيمان، فكلما حاولت التقرب إلى الله بالصلاة، والتوبة، يأتيني الحزن، ودائمًا تأتيني أفكار الانتحار بعد التوبة، وإذا استمعت إلى الغناء، وأكثرت من الذنوب، أشعر بالسعادة، ولا أعلم السبب، فما الحل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله لنا ولك الهداية، والسلامة من الزيغ، والغواية.

وقد أشبعنا الكلام في فتاوى كثيرة جدًّا حول ما سألت عنه، بما يغني عن مزيد من القول ها هنا.

واعلم أن علاج الوقوع في حمأة المعاصي، وفقدان حلاوة الإيمان، لا يحتاج إلى معلومات تسرد بقدر حاجته إلى إرادة، وعزيمة صادقة، فالعلاج معروف، لا يكاد يجهله أحد، لكن الشأن كل الشأن في الأخذ بالعلاج، والعمل به! ومع هذا؛ فلا مانع من أن يلتمس الشخص واعظًا يذكره بما غفل عنه.

والذي نوصيك به على كال حال: هو أن تبادر بالتوبة إلى الله عز وجل، وذلك بالندم، والاستغفار لما مضى، والإقلاع الفوري عن الذنوب، وعقد العزم على عدم الأوبة للذنوب مرة أخرى.

وعليك أن تحسن ظنك بالله، وأن تتضرع إليه سبحانه بأن يمنّ عليك بتوبة نصوح.

واحذر اليأس من روح الله، أو القنوط من رحمته؛ فإنها من كبائر الإثم.

ولتستيقن أنه لا كاشف لما بك إلا الله وحده، فلا جدوى من الشكوى إلى غيره، فنوصيك بالاستعانة بالله تعالى، وإظهار الفاقة إليه، إذا لا سبيل لك إلى هداية، أو إنابة إلا بمعونته، وفضله.

وأعقب إساءتك بإحسان، وطاعة، تكون كفارة لها.

وحافظ على الصلوات الفرائض بخشوعها، فهي سياج حصين عن الوقوع في ما يكره الله.

واتخذ رفقة صالحة تعينك إن ذكرت، وتذكرك إن غفلت.

وأقبل على كتاب الله -استماعًا، وتلاوة، وتدبرًا- فهو نور الصدور، وشفاء القلوب.

وأما الانتحار فهو أعظم الوبال، وهو خسارة الدنيا والآخرة، فلا تحدثن به نفسك أبدًا.

وإن من أعظم المصائب أن يجد المرء راحته ولذته حين يعصي الله، لكنها في الحقيقة لذة عابرة، لا تلبث أن تزول، ثم يعود العاصي إلى نكد وضيق أعظم مما كان عليه، قال ابن القيم في طريق الهجرتين: إِن حقيقة العبد: روحه، وقلبه، ولا صلاح لها إِلا بإلهها، الذي لا إِله إِلا هو، فلا تطمئن في الدنيا إِلا بذكره، وهي كادحة إِليه كدحًا فملاقيته، ولا بد لها من لقائه، ولا صلاح لها إِلا بمحبتها، وعبوديتها له، ورضاه، وإِكرامه لها، ولو حصل للعبد من اللذات والسرور بغير الله ما حصل، لم يدم له ذلك، بل ينتقل من نوع إِلى نوع، ومن شخص إِلى شخص، ويتنعم بهذا في وقت ثم يتعذب به -ولا بد- في وقت آخر، وكثيرًا ما يكون ذلك الذي يتنعم به، ويلتذ به، غير منعم له، ولا ملذ، بل قد يؤذيه اتصاله به، ووجوده عنده، ويضره ذلك، وإنما يحصل له بملابسته من جنس ما يحصل للجرب من لذة الأَظفار التي تحكه، فهي تدمي الجلد، وتخرقه، وتزيد في ضرره، وهو يؤثر ذلك؛ لما له في حكها من اللذة، وهكذا ما يتعذب به القلب من محبة غير الله هو عذاب عليه، ومضرة، وأَلم في الحقيقة، لا تزيد لذته على لذة حكّ الجرب. اهـ.

والمرء لا يجترئ على المحرمات رغبة في لذتها العابرة، إلا بقدر فقدانه لحلاوة الإيمان ولذته، قال ابن رجب في فتح الباري: فالإيمان له حلاوة، وطعم يذاق بالقلوب، كما يذاق حلاوة الطعام والشراب بالفم، فإن الإيمان هو غذاء القلوب وقوتها، كما أن الطعام والشراب غذاء الأبدان وقوتها، وكما أن الجسد لا يجد حلاوة الطعام والشراب إلا عند صحته، فإذا سقم لم يجد حلاوة ما ينفعه من ذلك، بل قد يستحلي ما يضره، وما ليس فيه حلاوة؛ لغلبة السقم عليه، فكذلك القلب إنما يجد حلاوة الإيمان إذا سلم من أسقامه وآفاته، فإذا سلم من مرض الأهواء المضلة، والشهوات المحرمة، وجد حلاوة الإيمان حينئذ، ومتى مرض وسقم، لم يجد حلاوة الإيمان، بل يستحلي ما فيه هلاكه من الأهواء والمعاصي، ومن هنا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"؛ لأنه لو كمل إيمانه؛ لوجد حلاوة الإيمان، فاستغنى بها عن استحلاء المعاصي. اهـ.

وراجع لتفصيل الكلام عن التوبة وتحصيل حلاوة الإيمان الفتاوى: 268927، 10800، 136724.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني