الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التائب لا يعذب لا في الدنيا ولا في الآخرة

السؤال

أفتوني جزاكم الله خيرا.
أنا فتاة لا أعرف من أين أبدأ حكايتي؟
كنت فتاة ملتزمة، لم أتجاوز حدود الله من قبل، بالرغم أني كنت أدرس بعيدا عن أهلي، إلا أنني لم أتجاوز حدودي، وكنت أمينة مكتبة مسجد، وأمضيت سنواتي الجامعية كما عهدني الله، وأهلي. وبعد تخرجي عملت، وتقدم لخطبتي شخص؛ فقبلت، إلا أني فسخت الخطبة بسبب خوفي من ذاك الشخص؛ لأن علاقته بوالديه لم تكن تعجبني، فخفت من العقوق. وبعدها تمت سرقة بعض من ملابسي في عرس. بدأت أحس بتغيرات في نفسيتي وتصرفاتي، وجسمي سريعة الغضب لأتفه الأسباب، حبوب غريبة على وجهي، وأنا التي كنت أرفض التعرف على شباب، تعرفت على شاب، وحصل ما حصل، لم أفقد عذريتي، لكني تخطيت حدود الله، وكنت أشعر بتناقض في داخلي، وكأن شيئا يرغمني على معصية الله. كنت في كل مرة ألتقي به في بيته، أشعر وكأنني في جسم آخر. وفي يوم من الأيام شربت ماء مرقيا، فقمت بالتقيؤ، وأصابني إسهال شديد. بعدها افترقت مع هذا الشخص، كأنني كنت في سبات. وحاولت أن أتوب، وتعذبت لأجد نفسي مرة أخرى في نفس المعصية. وبعدها أيضا مرة أخرى مع شاب آخر، إلا أني الآن أصبحت أخجل من أن أرفع يدي إلا لله. طول عمري كنت فتاة يضرب بها المثل في الالتزام وبر الوالدين، أشعر أني ضائعة بذنوبي، حتى إني أستحي أن أدعو الله بزوج صالح يسترني، فأنا أرى في نفسي أني زانية، أخاف سوء خاتمتي، أخاف على نفسي من نفسي.
ماذا أفعل حتى لم يعد يتقدم أحد لخطبتي؟
أشعر أن الله يعاقبني بذنوبي، قلبي تفطر مما فعلت، أصبحت ضائعة حتى أن النوم يجافيني، لم أستطع أن أخبر أحدا عما جرى خوفا من فضيحة وخيبة أمل أهلي.
ساعدوني، أشعر أن حياتي توقفت، وأن الله غير راض عني.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالواجب عليك المبادرة بالتوبة إلى الله تعالى مما وقعت فيه من المحرمات، والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العود إليه، مع الستر على النفس وعدم المجاهرة بالذنب، ولا تخبري أحدا بما وقعت فيه.

ومن صدق التوبة أن يجتنب العبد أسباب المعصية، ويقطع الطرق الموصلة إليها، ويحسم مادة الشر، ويحذر من اتباع خطوات الشيطان.

واحذري من تخذيل الشيطان وإيحائه لك باليأس والخجل من الدعاء، والعجز عن التوبة والاستقامة؛ فذلك من وسوسته وكيده. فلا تلتفتي لتلك الوساوس، واستعيذي بالله واستعيني به ولا تعجزي، واعلمي أنّ التعفّف والبعد عن الحرام، يسير على من استعان بالله، واجتهد في الأسباب الموصلة إليها، وقد بينا بعضها في الفتوى رقم: 23231.
واعلمي أنّ الله تعالى لا يتعاظمه ذنب، فمن سعة رحمة الله وعظيم كرمه، أنّه مهما عظم ذنب العبد، ثمّ تاب توبة صادقة؛ فإن الله يقبل توبته قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. الزمر (53).
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: يا ابن آدم، إِنَّكَ ما دَعَوْتَني ورَجَوْتَني، غفرتُ لك على ما كانَ مِنكَ، ولا أُبالِي. يا ابنَ آدمَ، لو بلغتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السماءِ، ثم استَغْفَرتَني، غَفَرْتُ لك، ولا أُبالي. يا ابنَ آدم إِنَّكَ لو أتيتني بِقُرابِ الأرض خَطَايا، ثم لَقِيتَني لا تُشْرِكُ بي شيئا، لأَتَيْتُكَ بِقُرابِها مَغْفِرَة. أخرجه الترمذي.
بل إنّ الله تعالى يحبّ التوابين ويفرح بتوبتهم، ويبدل سيئاتهم حسنات، والتوبة تمحو أثر الذنب، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
ولا تخافي من العقوبة على الذنوب ما دمت تائبة.

قال ابن تيمية -رحمه الله-: ونحن حقيقة قولنا أن التائب لا يعذب لا في الدنيا ولا في الآخرة، لا شرعا ولا قدراً.... اهـ.

فأبشري خيرا، وأقبلي على ربك وأحسني ظنك به، واجتهدي في تقوية صلتك بالله، وحافظي على الرقى المشروعة والأذكار المسنونة، وأكثري من دعاء الله تعالى؛ فإنه قريب مجيب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني