الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سرق أباه فسامحه ثم عاد فطالبه فهل يجب عليه رد المال

السؤال

شخص سرق من والده مبلغا من المال، وترك البيت وغادره. ثم أخبره والده عن طريق الهاتف، أنه سامحه في هذه الأموال. ثم لما رجع البيت طالبه أبوه بالمال، فأعطاه المال الموجود معه. ولكنه كان قد أنفق بعض المال، وأعطى لشخص بعض المال للاستثمار.
فهل يجب عليه عندما يسترد المال الذي وضعه للاستثمار، أن يرده لأبيه، خاصة أن أباه ما زال يطالبه بباقي الأموال، علما بأنه قد تنازل عنها سابقا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمسامحة أبيك لك في هذه الأموال، تعتبر إبراءًا لك، وتنازلا منه عن استحقاق ردها إليه، وإسقاطا لحقه فيها، والقاعدة عند الفقهاء أن: الساقط لا يعود. وهي كما تسري في الديون والمنافع، تسري كذلك في الحقوق الأخرى للعباد.

جاء في الموسوعة الفقهية: المقصود بحقوق العباد هنا، ما عدا الأعيان والمنافع والديون، وذلك لحق الشفعة والقصاص والخيار. والأصل أن كل من له حق إذا أسقطه -وهو من أهل الإسقاط، والمحل قابل للسقوط- سقط ... ومن المعلوم أن الساقط ينتهي ويتلاشى، ويصبح كالمعدوم لا سبيل إلى إعادته إلا بسبب جديد يصير مثله لا عينه، فإذا أبرأ الدائن المدين فقد سقط الدين، فلا يكون هناك دين، إلا إذا وجد سبب جديد ... اهـ.

والوالد وإن كان يجوز له الرجوع في هبته لولده عند جمهور العلماء، إلا أن الإبراء من الدين ليس له حكم الهبة؛ لأن الهبة تمليك، وأما الإبراء فإسقاط للحق، والساقط لا يعود كما قدمنا.

ولذلك قال الرحيباني في مطالب أولي النهى: (ولا رجوع) للأب (فيما أبرأه) أي أبرأ ولده (من دين) كان له عليه، فلا يملك الرجوع به بعد أن أبرأه منه؛ لأن الإبراء إسقاط لا تمليك. اهـ.

وقال ابن نجيم في البحر الرائق: أطلق الهبة فانصرفت إلى الأعيان، فلا رجوع في هبة الدين للمديون بعد القبول بخلافه قبله؛ لكونها إسقاطا. اهـ.
وعلق عليه ابن عابدين في حاشيته: منحة الخالق، فقال: لا يخفى أن الكلام في رجوع الواهب، وهذا في رد الموهوب له، ولا رجوع للواهب هنا مطلقا، قال في المنظومة الوهبانية:

وواهب دين ليس يرجع مطلقا. اهـ.
وقد نص الشافعية على ذلك حتى مع القول بأن الإبراء تمليك، فقال الخطيب الشربيني في الإقناع وفي مغني المحتاج: لو وهب لولده دينا له عليه، فلا رجوع، سواء قلنا إنه تمليك أم إسقاط؛ إذ لا بقاء للدين، فأشبه ما لو وهبه شيئا فتلف. اهـ.

وانظر للفائدة، الفتوى رقم: 275341.

ومع ذلك، فالذي ننصح به السائل أن يجيب أباه لما طلب، ويرد له المال المستثمر إذا عاد؛ مراعاة لمنزلة الوالد، وردا لإحسانه السابق، وعفوه عن جناية الولد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني