الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الزوج الذي فرط في حق ربه وزوجته.. الحكم.. والواجب.. والحل

السؤال

بعد زواج دام 35 سنة، وأولاد وأحفاد، هجرني زوجي، وهجر البيت منذ ما يقارب 8 أشهر. ترك البيت ولم نعد نراه، لا يسأل عنا، ولا ينفق علينا، ولا يقترب من البيت أبدا، حتى الاتصالات محظورة عنا.
في الفترة الأخيرة فتح ناديا للمساج في أحد الفنادق الكبيرة، وجلب فتيات آسيويات وعربيات متبرجات لعمل المساج، وعلمنا أنه على علاقة مع إحدى الفتيات العربيات (تونسية) حيث استأجر شقة، ويسكن معها حاليا، ومجموعة من الفتيات في شقة واحدة.
علما أنه كان قدوة لنا في التزامه بالدين (صلاة وحج وعمرة وحضوره مجالس ذكر) إلا أنه تغير فجأة، وتركنا وذهب للأجنبية، رغم قيامي بنصحه وإرشاده بترك هذا المشروع، إلا أنه قذفني بكلام جارح، ومد يده علي بالضرب، وأهانني وسبني.
أدخلت أهله في الموضوع دون فائدة، أساء لسمعتي أمامهم، وقلب علي الموازين، لكن وبفضل من الله تعالى أصبح مكشوفا بين الجميع، والله تعالى أظهر الحق، حيث تم رؤيته مع تلك الفتاة وفي وضع مشين، في عدة أماكن مكشوفة.
بحكم العشرة الطويلة 35 سنة، صدمت منه، لكنه باعنا وضحى بنا من أجل أجنبية، والحمد لله وبفضل من الله، وتقربي إليه، وتوكلي عليه في هذا الأمر، فإنني حتى الآن صامدة.
لكن لا بد من اتخاذ قرار واضح في الموضوع، حيث أصبحت معلقة منذ ما يقارب سنة، أنفق على نفسي وأولادي وبيتي، وهو لا يسأل عنا بتاتا. لذا الرجاء مساعدتي على اتخاذ القرار الصائب في الموضوع.
وجزاكم الله خيرا على مساعيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان الواقع ما ذكرت من أن هذا الرجل قد صار على هذا الحال من الانتكاس، بعد الاستقامة على الجادة، فأمره خطير؛ لأنه آثر الحياة الدنيا على الآخرة، وسلك سبيل الردى، معرضا عن طريق الحق والهدى، فما أشبه حاله بمن قال الله عز وجل عنه: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {الأعراف175 : 176}، نعوذ بالله من الخذلان، ونسأل الله عز وجل له التوبة والهداية.

ثم إنه جمع إلى التفريط في حق ربه، تفريطه في حق خلقه، بعدم قيامه بما يجب عليه تجاه أهله وأولاده، روى أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. وإذا انضم إلى ذلك كونه قد سبك، وآذاك وضربك، كانت هذه المنكرات ظلمات بعضها فوق بعض.

ومع هذا كله نوصي بالدعاء له، وأن يبذل له النصح ويوعظ، ويقال له في نفسه قولا بليغا، ويذكر ويخوف بالله، وأليم عقابه، ويفتح له في الوقت ذاته باب الأمل ورجاء القبول إن رجع إلى ربه، وإليه أناب، فإنه سبحانه يتوب على من تاب، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.

فإن استمع للنصح وبه انتفع، فبها ونعمت، وإلا فالأولى بك فراقه، فلا خير لك في البقاء في عصمة مثله، معذبة نفسك بسببه.

قال البهوتي الحنبلي: وإذا ترك الزوج حقًّا لله تعالى، فالمرأة في ذلك مثله، فيستحب لها أن تختلع منه، لتركه حقوق الله تعالى... اهـ.

وإذا أنفقت على نفسك وولدك -غير متبرعة- جاز لك الرجوع عليه بما أنفقت بالمعروف، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 34771.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني