الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا دلالة على فعل المعاصي في حديث: والله لا أَزيد على هذا ولا أنقص

السؤال

حديث طلحة بن عُبَيد الله، قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، من أهل نجد، ثائر الرَّأس، يُسمع دويُّ صوتِه، ولا يفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يَسألُ عن الإسلام، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((خمسُ صلواتٍ في اليوم واللَّيلة))، فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلاَّ أن تَطوَّع))، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((وصيام رمضان))، قال: هل عليَّ غيرُه؟ قال: ((لا، إلاَّ أن تَطوَّع))، قال: وذَكَر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الزكاة، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلاَّ أن تَطوَّع))، قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أَزيد على هذا، ولا أنقص، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أَفْلحَ إنْ صَدَق)). أخرجه البخاري.
يستدل بعض الناس بذلك الحديث على أنه مهما فعل الشخص من الموبقات والمعاصي، وكان يصلي ويصوم ويزكي، فله الجنة.
فبماذا نرد عليهم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فنقول ابتداء: إننا لسنا معنيين برد الشبهات التي تثار هنا وهناك، وما أكثرها، والذي يمكننا قوله باختصار هو: أن الحديث لا دلالة فيه على ما ذكر هذا المستدل. فالحديث له روايات متعددة، لا يتم الاستدلال بواحدة من رواياته وإلغاء غيرها من الروايات الصحيحة. فهل أحاط هذا المستدل بجميع روايات الحديث علما؛ بل وهل رجع لكلام أهل العلم فيه؛ لإزالة هذا الإشكال، أو تصحيح الفهم؟

هذا الذي يتخيله المستدل من الحديث بهذا اللفظ، أورده العلماء، وأجابوا عنه بما يشفي غليل طالب الحق.

يقول الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ: لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلَيْسَ في هذا الحديث جميع الواجبات، ولا المنهيات الشَّرْعِيَّةِ، وَلَا السُّنَنِ الْمَنْدُوبَاتِ؟

فَالْجَوَابُ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ تُوَضِّحُ الْمَقْصُودَ، قَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ شَيْئًا. فَعَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، وَقَوْلِهِ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ، يَزُولُ الْإِشْكَالُ فِي الْفَرَائِضِ. اهـ.

فتبين بهذا، أنه ليس في الحديث ما يقوله أولئك الجهلة، من أن الرجل أفلح مهما فعل من الذنوب والمعاصي، وقد قال الله تعالى محذرا رسوله صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {سورة الزمر: 65}.

وقد كان سادات الصحابة محافظين على تلك الفرائض، ومع ذلك فقد حذرهم الله تعالى من حبوط أعمالهم بالمعاصي، كمعصية رفع الصوت على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كما قال عز وجل في سورة الحجرات: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ {الحجرات:2}، وحتى المبشرون بالجنة كانوا يخافون على أنفسهم من الذنوب والمعاصي، ودخول النار، فأين ذلك المغرور بعمله؟

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني