الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصيحة للفتاة التي تقدم لها شاب ذو خُلُق ودِين وقلبها معلّق برجل قليل التدين

السؤال

أشكركم جدًّا على هذا الموقع، وعلى سعة صدركم لحل المشكلات التي تواجهنا.
أنا في السنة الرابعة من الجامعة، وتمت خطبتي منذ سنة ونصف لابن خالي، الذي يكبرني بعام واحد، وهو في الحقيقة شخص محترم، ومتدين، والناس كلهم يشهدون بأخلاقه، وقد عاملني معاملة حسنة طول المدة التي مضت، ولا يغضبني نهائيًّا، ولو غضبت، فإنه يرضيني.
وفي الحقيقة استخرت في أول الخطبة، وشعرت أن كل العوائق التي كنت قد وضعتها، بدأت أبررها، وأقنع نفسي بضدها، وهذا الذي شعرت به بعد الاستخارة، وتمت خطبتنا، ومرت الأيام وهو يحبني جدًّا، ومتمسك بي، ولكن مع ذلك أشعر أنه عادي عندي، ووافقت لأنه متدين جدًّا، وأخلاقه عالية، وأبي وأمي والعائلتان فرحوا جدًّا، ولم يكن عندي سبب لرفضه، وبعد أن شعرت به، أصبح يهتم بي، ويتصل، ويأتيني بهدايا، وشغلت باله، ولكنه لا يأتي في بالي، ولا أشعر باللهفة له، ولا الإعجاب، حتى إني قلت: من الممكن أن يكون بسبب التحفظ في الكلام، فنحن لم نتجاوز حدودنا.
هو عنده مشاعر تجاهي، وأنا لا أشعر به، فأشعر أني أظلمه، أو سأقول له كلامًا لا أشعر به، مثل: أنت غالٍ عندي، فأنا شعر أن هذا الكلام غير خارج من قلبي، فلا أكلمه، فيغضب لذلك، فأنا أجعله في وضعية نفسية صعبة جدًّا؛ نتيجة قلة اهتمامي به، وخاصة أنه يتيم الأم، ولا أخت له، وجلسنا نفكر أنا وهو، ولم نتخذ قرارًا في الأخير.
أحيانًا أحبه، وأفرح به عندما يأتيني بهدايا، وأشعر أنه هو الاختيار الصحيح، وأنه هو من سأكمل معه، وبعدها بقليل لا أشعر بذلك، بينما هو معجب بي جدًّا.
أختي الكبيرة نصحتني أن ما بعد الزواج شيء مختلف عما قبل الزواج، وكانت تقول لي: أكملي معه.
وقد فكرت في أن أنهي الخطبة أكثر من مرة، لكن ذلك لم يحصل.
أفيدوني فأنا عقلي كله موافق عليه، ولكن قلبي لا يشعر به، وهذا يترجم بقلة اهتمام، وغيره، وهذا يفسد علاقتنا، ويأتي بمشاكل.
أنا كنت أحب شخصًا قبل هذا منذ زمن، دون كلام، أي أنه حب من طرف واحد، ولم أصرح له طبعًا، لكن يعلم الله أني منذ يوم الخطبة لم أفكر نهائيًّا إلا في خطيبي، وعندما أرى الشخص السابق قلبي يدق، أما خطيبي فلا، وأنا محتارة، ولا أعرف ماذا أفعل؟
أنا أريد حبًّا أقوى من الذي بيني وبين خطيبي؛ لأني عندما أراه، لا أشعر بشيء تجاهه، وأنا أقول لقلبي: أوقف الدق عندما ترى هذا الشخص الأول، لكن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، وأنا بصراحة خائفة من أن أظلم خطيبي؛ لأنه لا يستحق مني كل هذا، وفي نفس الوقت قلبي يدق للآخر عندما أراه، مع أنه تقدم لي، لكن أمي لم توافق، وهو قليل التدين، وأنا أريد شخصًا متدينًا يشدني لأعلى، وخطيبي متدين، لكني لا أشعر به.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد بين الشرع الحكيم أن الدين، والخلق هما الأساس في اختيار الزوج، روى الترمذي، وابن ماجه -واللفظ له- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم من ترضون خلقه، ودينه؛ فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض.

قال المناوي في فيض القدير، في بيان معنى هذا الحديث: (فزوجوه) إياها، وفي رواية: فأنكحوه أي: ندبًا مؤكدًا. اهـ.

وذكر الغزالي في إحياء علوم الدين، أن رجلًا قال للحسن - رحمه الله -: قد خطب ابنتي جماعة، فمن أزوجها؟ قال: ممن يتقي الله، فإن أحبها، أكرمها، وإن أبغضها، لم يظلمها.

وهذا التعامل الحسن من الزوج مع زوجته، تبقى آثاره، وتجنى ثماره حين تذهب عواطف وأحاسيس ما يسمى بالحب، والغرام، ويبقى بينهما المودة، والاحترام؛ وبذلك تقوى العشرة بينهما، وتعيش الأسرة مستقرة، ويجدون بركة ذلك في نشأة الذرية.

والحاصل: أن هذا الشاب إذا كان دينًا ذا خلق، فاقبلي به خاطبًا، ولا تلتفي إلى أي هواجس وأوهام قد تحول بينك وبينه، فتكون العاقبة أن تحرمي منه، وتندمي حين لا ينفع الندم.

ومن الأهمية بمكان المصير إلى الاستخارة، وقد أحسنت بفعلها عند الخطبة، وتكرارها مشروع، إن رغبت في الاستخارة مرة أخرى، وراجعي الفتوى رقم: 139649.

وإذا تيسر الأمر وتم الزواج، فهذا يعني أن فيه خيرًا لك.

وإن لم يتم، فقد يكون الله عز وجل قد صرف عنك شرًّا، ففوضي أمرك لله، وانظري الفتوى رقم: 123457.

وننبه إلى أن الخاطبين لا يزالان أجنبيين عن بعضهما؛ حتى يعقد لهما العقد الشرعي، فليكن التعامل بينهما على هذا الأساس.

ولا حرج في أن يهدي كل منهما للآخر هدية، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 331168.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني