الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سوء ظنّ الزوج بزوجته واتهامها بالسوء دون بينة ظاهرة ظلم عظيم

السؤال

ما حكم الدين في هذه الأمور:
في البداية حدثت مشكلة بين امرأة وزوجها، وكانت المشاكل تتكرر إلى أن ترك المنزل وسافر، وتزوج، ولم يترك شيئًا لزوجته للإنفاق على أولاده، مع العلم أنهم ثلاثة، وبعد فترة عاد مرة أخرى لبلده، وتم الصلح بينه وبين زوجته، وهي بنت خالته في الأساس، وكانت قد استلفت زوجته بعض المال للإنفاق، فطلبت منه بعض المال لتسدد ما عليها، فرفض، وقال: لن أدفع شيئًا، وقال: يمكنكِ الحصول عليها من هذا الذي كنت تنفقين نقودك عليه، وكان يقصد من ذلك أنها أنفقتها على رجل، أو ما شابه ذلك، فغضبت الزوجة، وأحضرت له ملابسه، وقالت له: اخرج خارج المنزل، ولم يخرج، وبقي بالمنزل فترة طويلة ينتظر أن تعتذر له هي؛ على الرغم أن فعلها كان ردة فعل على ما قاله، وما قاله جريمة، وهي بعيدة كل البعد عن كل ما يصف، فهي غاية في الاحترام، بل كل هذه الأفعال هو الذي لها أهل، وليس هي، بل وتم ضبطه بأفعال مثل هذه أكثر من مرة، فمن المخطئ في ذلك؟ هذا الشق الأول من السؤال.
أما عن الشق الثاني: فما الحكم إن كان رد فعل أمّ الزوج -التي هي خالة الزوجة- أنها أصدرت أمرًا لكل أبنائها أن يقاطعوا زوجة ابنها؛ حتى يتسبب ذلك في الضغط عليها، فتذهب لزوجها، وتعتذر له، فهل يحق لهم أن يعالجوا المشاكل بهذه الطريقة؟ وماذا لو علمت أن إحدى بناتها قامت بموافقتها صوريًّا، ولم تقطع بنت خالتها، وبعد ذلك اكتشفت الأم ذلك، فقامت ابنتها بتوضيح أن القطيعة حرام، وأن حلّ المشاكل لا يجب أن يكون بطرق أخرى غير التي وضعها الله، وعندما قالت لها هذا، قامت الأم بأمر الأبناء أن يقاطعوا ابنتها، وقاطعوها بالفعل؛ لأنها لم تفعل ما أمرت به أمهم، وهذا يعتبر عقوقًا من وجهة نظرهم، فهل تجوز طاعة الأبناء لأمهم في قطيعتهم لأختهم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان الحال كما ذكرت، وكان الزوج قد ترك الإنفاق على زوجته وأولاده دون عذر، فهو آثم، ففي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت. وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ.

والواجب عليه أن يرد لها ما استدانت للنفقة عليها، وعلى أولادها بالمعروف، جاء في كشاف القناع عن متن الإقناع: لو غاب زوج، فاستدانت لها، ولأولادها الصغار، رجعت بما استدانته. اهـ.

وإذا كان الزوج قد أساء الظنّ بزوجته، واتهمها بالسوء دون بينة ظاهرة، فهو آثم، وظالم لزوجته، وإذا كان يطلب اعتذارها، فهو أحقّ أن يعتذر لها عن إساءته إليها دون حق.

وما فعلته أمّ الزوج من أمر أولادها بقطع زوجته التي هي ابنة خالتهم، تصرف غير صحيح، وأمر بغير معروف، لا تلزمهم طاعتها فيه، ولا طاعتها في قطع أختهم التي وصلت بنت خالتها، فهي لم تفعل سوءًا، بل فعلت خيرًا، فالطاعة إنما تكون في المعروف، لكن عليهم أن يعالجوا الأمر بحكمة، ويجمعوا بين برّ أمهم، وصلة رحمهم بقدر الإمكان، وينبغي عليهم أن يسعوا في الإصلاح بين الزوجين، وبين الزوجة وأمّ زوجها، فإنّ في الإصلاح بين الناس أجرًا عظيمًا، وفضلًا كبيرًا، فقد روى أبو داود، والترمذي عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام، والصلاة، والصدقة؟ قالوا: بلى -يا رسول الله-، قال: إصلاح ذات البين. وفساد ذات البيت الحالقة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني