الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأدلة على عدم المؤاخذة بحديث النفس

السؤال

أعاني من حالات نفسية، وعندي خوف شديد، وعندما أريد فعل شيء تأتيني الأفكار، وحديث النفس، وأحيانًا أتكلم: إذا فعلت هذا الشيء، فهذا يعني أنني أسيء إلى المصحف الشريف، وإذا لم أفعل هذا الشيء؛ فأنا لا أسيء إليه، وعدم فعل هذه الأشياء يؤذيني -كالتحدث مع الأصدقاء، وفعل الأشياء النافعة في حياتي- لأجل حديث النفس هذا، وأحيانًا أتكلم بحديث النفس هذا، ولا أعرف هل هو قهر أم قصد؟ وهل يؤاخذني الله إذا فعلت هذه الأشياء، إذا كانت حديث نفس؟ وهل عليّ ذنب إذا فعلت هذه الأشياء؟ وهل أنا أسيء إلى المصحف الشريف؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما ذكرته عن نفسك لا يعد كونه من آثار مرض الوسوسة.

وإذا أردت أن تشفى من ذلك، ويطمئن قلبك، وتسكن نفسك؛ فعليك بالاستعانة بالله على الإعراض عن تلك الوساوس جملة، ولا تلتفت إليها، وكف عن السؤال عنها، مع الضراعة إلى الله بأن يعافيك منها.

ومن الحسن كذلك مراجعة الأطباء النفسيين، لعلاج ما ألمّ بك من داء الوسوسة.

وأما حديث النفس، فلا يؤاخذ به العبد، فضلًا من الله، ورحمة؛ لأدلة كثيرة، ففي حديث أبي هريرة قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {البقرة:284}، قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بركوا على الركب، فقالوا: أي رسول الله، كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة، والصيام، والجهاد، والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية، ولا نطيقها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير"، قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم، ذلّت بها ألسنتهم، فأنزل الله في إثرها: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ {البقرة:285}، فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى، فأنزل الله عز وجل: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة:286}، "قال: نعم"، رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا {البقرة:286}، "قال: نعم"، رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ {البقرة:286}، "قال: نعم"، وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {البقرة:286}،"قال: نعم". أخرجه مسلم.

وفي الحديث: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل، أو تتكلم. أخرجه البخاري، ومسلم. إلى غير ذلك النصوص الشرعية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني