الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيع أحد الورثة أرضه لشراء نصيب آخر من التركة

السؤال

الوالد -رحمه الله- ترك لنا بيتًا، ونحن ثلاثة أبناء وثلاث بنات، وأمّنا ما زالت موجودة -أمد الله في عمرها بالعمل الصالح-، وأخي يطالب بنصيبه من التركة، والعُرف في بلادنا يقضي أنه لا يباع البيت ما دامت الأم على قيد الحياة، فهل يجوز أن أبيع بيتي لشراء نصيبه؛ وذلك لإغلاق باب المشاكل التي يسببها للوالدة يوميًّا؛ إرضاء لله، ثم للوالدة، ولراحتها النفسية؟ علمًا أني أملك قطعة أرض أخرى غير مشيدة، وزوجتي ترفض البيع؛ حتى لا أضيعهم على قولها، ونحن في غربة، ويمكن في أي لحظة أن نرجع لديارنا، فأرجو توجيهي بما يجب عمله، وما حكم الشرع فيما ذكرت أعلاه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فمن المهم أولًا أن تعلم أن لأخيك الحق في المطالبة بنصيبه من البيت، ولا يُمنع من أخذ نصيبه فيه بسبب عدم رغبتكم في بيع البيت؛ لعدم وجود البديل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ما لا يمكن قسم عينه، إذا طلب أحد الشركاء بيعه، وقسم ثمنه، بيع وقسم ثمنه، وهو المذهب المنصوص عن أحمد في رواية الميموني، وذكره الأكثرون من الأصحاب. اهــ.

وقال أيضًا: كَلُّ مَا لَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ذَلِكَ، وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْبَيْعِ، وَحَكَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ذَلِكَ إجْمَاعًا. اهــ.

ولا حرج عليك في شراء نصيب أخيك من البيت الموروث، وهذا يسمى بالتخارج، وهو كما في الموسوعة الفقهية: هُوَ: أَنْ يَصْطَلِحَ الْوَرَثَةُ عَلَى إِخْرَاجِ بَعْضِهِمْ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ ... والتَّخَارُجُ جَائِزٌ عِنْدَ التَّرَاضِي، وَالأْصْل فِي جَوَازِهِ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تُمَاضِرَ بِنْتَ الأْصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- مَعَ ثَلاَثِ نِسْوَةٍ أُخَرَ، فَصَالَحُوهَا عَنْ رُبْعِ ثُمُنِهَا عَلَى ثَلاَثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا .. اهــ.

وشراؤك نصيبه ما دمت مقتدرًا، يعتبر أمرًا حسنًا تجمع به شمل الأسرة، وتبر به والدتك، وتؤجر عليه -إن شاء الله تعالى-.

وأما اعتراض زوجتك فمفهوم سببه، فإن كان ثمن القطعة يوفي نصيب أخيك، فالأولي بيعها، وإلا فينبغي التعامل مع زوجتك بحكمة في هذا الموضوع، ومن ذلك: أن تبين لها أن برك بوالدتك لن يكون -إن شاء الله تعالى- سببًا في ضياعهم، بل العكس هو الصحيح، فبر الوالدين -والوالدة خاصة- سبب كل خير.

ويمكن أن تعدها أنك ستسعى جادًّا في بناء بيت على القطعة التي عندك، إلى غير ذلك من الحلول التي لا تخفى عليك، علمًا أنك بهذه العملية ستملك حصة أخيك في البيت، إضافة إلى حصتك الأصلية، مما يعني أنك لن تخسر، أو لن تخسر شيئًا كبيرًا.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني