الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية علاج الزوجة المتعالية المستهزئة بزوجها

السؤال

أنا شخص متزوج، ولدي طفل، وزوجتي حامل.عندما قدمت إلي زوجتي، كانت أمي تعيش معي في البيت.
في بداية زواجي لم أستطع الزواج من زوجتي، وبقيت لمدة ستة أشهر على هذه الحال. وحدثت مشاكل كثيرة بيني وبين زوجتي، وقد كانت تهددني بالطلاق أكثر من مرة، علما أني ذهبت إلى أكثر من طبيب، وكانوا يقولون لي إنه لا توجد عندي أي مشكلة.
فما كان لي إلا الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، والتضرع إليه؛ فأكرمني سبحانه بجميل فرجه، وحلت عقدتي. ولكن المشاكل لم تنته مع زوجتي، بل زاد الطين بلة؛ فأصبحت تعيرني بين الحين والآخر بأني لست رجلا، وتقول لي كلمات أقل وصف لها بأنها لا تقال لابن الشارع، أو لطفل يبلغ من العمر سنتين، على سبيل المثال: "معتوه، مجنون، أحمق، ابن الصعاليك"
هذا ما أذكره منها، وكانت تهينني دائما، ولا يكاد يمر يوم من دون إهانة، وأصبح هذا شيئا عاديا جدا عندها، وكثيرا ما تكون الإهانة أمام أمي. وعندما أقول لها: هل تقول أخواتك لأزواجهن هذا الكلام؟ كانت تقول: أزواجهن رجال، أما أنت فلست رجلا، وهذه الكلمة بالذات أصبحت عندها مثل مرحبا، تقال في كل حين. ثم بعد ذلك تطور الخلاف وأصبحت المشاكل بينها وبين أمي، وكانت كل مرة تحاول طردها من البيت، وتتكلم معها أيضا عند كل خلاف "بما لا يوضع لا بميزان ولا بقبان" وتكرر الأمر عدة مرات، وكانت أمي تضطر إلى ترك البيت وتذهب إلى بيت أختي، ثم أقوم أنا بإرجاعها إلى بيتنا في المساء. طبعا هذه المرات حاولت زوجتي الهرب من المنزل أكثر من مرة، فكنت أقوم باللحاق بها، وإرجاعها من الشارع، وحاولت مرة أن تنتحر بأن ترمي نفسها من الشرفة، وتضرب نفسها بسكين، ولكن والحمد لله كنت أسيطر عليها في اللحظات الأخيرة، علما بأن موقفي كان خلال أغلب هذه المراحل موقفا سلبيا للأسف، أي أنني كنت قلبا وقالبا مع أمي، ولا أرضى هذا أبدا، ولكن للأسف كنت لا أقوم بعمل شيء؛ فزوجتي كانت لا تصغي إلي أبدا، بل كانت تصغي لابني الصغير أكثر مني، وماذا أتوقع منها وهي أقل ما يقال عنها أنها كانت تحتقرني بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وقد كان أمامي خياران: إما الطلاق أو السكوت. فاخترت السكوت على الطلاق؛ لأنني بعد الذي حدث لي من عدم التمكن من الزواج من زوجتي، واستغلال زوجتي لهذا الأمر، سبب ذلك عندي جرحا عميقا في نفسي، وشخصيتي بالأصل كانت مهزومة ومهزوزة جدا منذ نعومة أظافري، لأسباب كثيرة منها تسلط وتنمر القاصي والداني علي من أقراني في المدرسة، إلى الغريب والقريب. وأحمد الله سبحانه وتعالى وأشكره، وأثني عليه أعظم شكر وأعظم ثناء؛ لفضله العظيم علي، ولأسباب كثيرة لعل أهمها أنه هداني ومنَّ علي بقلب مؤمن، وصابر الكثير جدا يفتقده. ثم بعد ذلك حدث ما هو أشد وطأة، فقد حدثت مشكلة جديدة مع أمي، وطردت أمي من البيت، وذهبت إلى بيت أختي، ولم تعد إلى بيتنا، وبقيت هناك حوالي ستة أشهر، وقبل حوالي شهر سافرت إلى سوريا، ورجعت إلى بيتنا هناك، حيث يعيش أبي وأختي، وهي والحمد لله بصحة جيدة، علما أني أيضا لأكون موضوعيا، لا أعفي أمي وأبي من المسؤولية عن العديد من الأخطاء التي ارتكباها، وخصوصا الخطأ في بداية خطوبتنا، في أنهما لم يعطياها ذهبا مصوغا، ولم يوفرا لها جهازا ومسكنا مثل بقية إخوتي وزوجاتهم، والفرق كبير طبعا، والسبب أنه عند خطوبتي كان بلدي يعيش في حالة حرب، ولم تنته إلى الآن. طبعا وأنا هنا أقصد سوريا، ولربما السبب الثاني أن إخوتي وضعهم مختلف عن وضعي، لأنهم جميعا حاصلون على الشهادة الجامعية، ومعظمهم يعيش في دول الخليج، ووضعهم جيد جدا. والحمد لله بعد أن رجعت أمي إلى سوريا توقعت أن المشاكل ربما تخف، وأنا هنا أتكلم عن فترة الشهر ونصف الماضية، ولكن المشكلة تعقدت أكثر؛ فأنا في هذه الفترة كنت أمر بمشكلة أخرى غير مشكلتي الأصلية، فكنت قد تخلصت من رجل كان يعمل معي في العمل، وكان يدعي أنه شيخ، وهو صوفي.
في البداية اعتقدت أنه رجل صالح، وطلبت منه أن يرشدني إلى الطريق الصحيح، ولكنه للأسف أرشدني إلى الطريق نحو الشيطان والدجل، ونحو الافتراء على الله كذبا -والعياذ بالله- وكان يوهمني ويعاملني كأني عبد عنده. وكان يقول إني إذا تمردت عليه فسوف يغضب علي الله، بينما إذا رضي عني، فسيرضى الله عني -والعياذ بالله طبعا- وكانت حجته بأنه كان يعتبر نفسه وليا، حتى إني لا أبالغ إذا قلت لكم بأنه يعاملني كأني عبد عنده، وهو -والعياذ بالله- كأنه يملكني، وأن النعم وكل شيء وهبني إياه الله بيده، فإذا سخط ذهب، وإذا رضي بقي. وكنت أشعر أنني أعيش داخل زنزانة مظلمة، وكأن قلبي سجين مغلق مقيد، ولكن بعد أن أبعده الله عني، والحمد لله تضرعت إلى الله عز وجل، وأنقذني من دجله ودجل الشياطين التي كانت توسوس، وتعينه أشد العون وكأنها تعمل معه، بل حتى تدافع عنه، والحمد لله والشكر لله، أنا الآن تخلصت من سرطان الشرك، والدجل وعبادة الدجالين الذي جثم على قلبي غصبا عني، وأصبحت الآن والحمد لله في نور التوحيد والعبودية لله تعالى؛ فأنا الآن في مشكلتين: تسلط زوجتي المستمر، وبقايا دجل هذا المجرم وشياطينه.
فماذا أفعل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يفرج همك، وينفس كربك، ويصلح ما بينك وبين زوجك. ونوصيك بدعائه، والالتجاء إليه في جميع أمورك. فهو لا يخيب دعاء من رجاه، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.

وإن كانت زوجتك في تعاملها معك على الحال الذي ذكرت من تعاليها عليك، وسبها لك؛ فهي امرأة ناشز، وكيفية علاج النشوز مبينة في الفتوى رقم: 26794، والفتوى رقم: 1103.

فإن صلح حالها بعد ذلك، واستقام الأمر، فالحمد لله، وإلا ففراق المرأة سيئة الخلق مستحب، روى الحاكم في المستدرك، والبيهقي في سننه، عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة يدعون الله، فلا يستجاب لهم: رجل كانت تحته امرأة سيئة، فلم يطلقها... الحديث.

قال المناوي تعليقًا على هذا الحديث: فإذا دعا عليها، لا يستجيب له؛ لأنه المعذب نفسه بمعاشرتها، وهو في سعة من فراقها. اهـ. وهذا لا يعني أنه يجب عليك تطليقها، فإن رأيت الصبر عليها فلك ذلك.

قال ابن قدامة في المغني، مبينا أضرب الطلاق وما يعتريه من الأحكام الشرعية: .... والثالث: مباح، وهو عند الحاجة إليه؛ لسوء خلق المرأة، وسوء عشرتها، والتضرر بها من غير حصول الغرض بها.... اهـ.
ونوصيك بأن يكون عندك شيء من الحزم مع زوجتك، فلا تهن أمامها أو تضعف، فمن يهن يسهل الهوان عليه، فليكن منك الحزم مع اللين.

واعلم أن من حق زوجتك أن تكون في مسكن مستقل، ولا يلزمها أن تكون مع أقاربك في مسكن واحد، وكونهم في مسكن واحد غالبا ما يكون سببا للمشاكل، والذي ينبغي هو أن يكون هنالك احترام متبادل بين الأصهار، وشيء من حسن العشرة.

وكون زوجتك لها الحق في مسكن مستقل، لا يعني أن لها طرد أمك من البيت إن كنت أنت الذي تملكه، بل المقصود أن لها المطالبة بهذا المسكن، ثم إن هذا التصرف منها يتنافى مع ما أشرنا إليه من حسن معاشرة الأصهار، ويتنافى أيضا مع أدب الإسلام في احترام الكبير عموما.

وهذا فيما يتعلق بأمر زوجتك.

وأما هذا الرجل الذي وصفته بكونه دجالا، فقد أحسنت باجتنابك له، وإن كنت تخشى شيئا من ضرره، فاحرص على تحصين نفسك بالأذكار، وخاصة في الصباح والمساء، واستشعر الثقة بالله والتوكل عليه، فهو مالك نواصي العباد، وبيده النفع والضر، قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {الأنعام:17}، وروى أحمد والترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك. ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رفعت الأقلام، وجفت الصحف.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني