الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ترجمة ما فيه مخالفة شرعية

السؤال

أنا أستاذة جامعية، أُشرِف منذ أشهر على مذكرة ماستر في مجال الترجمة، وتعليم المفردات، وقد اختارت الطالبة أن تترجم فصلًا من كتاب في مجال تعليم المفردات لتلاميذ الابتدائي في فرنسا، والهدف من هذا العمل هو إجراء مقارنة بين طريقتهم في التعليم وطريقتنا في التعليم؛ قصد الاستفادة من تجربتهم، ولقد قرأت الكتاب في المرة الأولى قبل موافقتي عليه، ووجدت في فصل من الفصول إشارة إلى الصليب لأنهم يستعملون الصلبان والخشيبات لتعليم الأطفال العدّ، فرفضت ترجمة هذا الفصل، ثم قرأت فصلًا آخر من الكتاب نفسه، ولم يتبين لي أن هناك أي إشارة لأي فكرة تتعارض مع الإسلام، فوافقت على الإشراف على الطالبة التي تترجمه، ثم بعد مضي أشهر وانتهائها منه، اكتشفت مفهومين مخالفين للدِّين الإسلامي، المفهوم الأول هو مفهوم في التحليل النفسي: "identification"، ويقصد به تقمّص الشخصية، والفكرة أن الطفل يتقمّص شخصية الأستاذ؛ ليفعل مثلما يفعله، ويصبح محبًّا للمعرفة مثله، لكنني رفضت أن أستعمل لفظ تقمّص؛ لما له من دلالات تخالف الدِّين الإسلامي (تقمّص الأرواح)، وكنت أنوي أن أستعمل لفظ اقتداء بدلًا منه.
أما الأمر الثاني فهو يشير في فقرة من الفصل بشكل رمزيّ إلى قصة آدم -عليه السلام- على أنها أسطورة، وهو يشير إلى ذلك بالرمز بقوله: الأسلاف الأسطوريون، لكنني فهمت أنه يقصد آدم -عليه السلام-.
وهناك فصل آخر يتكلم فيه عن هذا الأمر، وعلى حدّ قوله: علاقة الأساطير بالبيداغوجيا، ويتكلم -على حدّ قوله- عن الأسلاف الأسطوريين.
وهذه خزعبلات، والجدير بالذكر أن الطالبة لا تعلم بهذا الأمر؛ لأنها لم تفهم هذه الرموز، لكن هذا الفصل ليس معنيًّا بالترجمة.
أما الفصل المعنيّ بالترجمة فهو الذي ذكرته سابقًا، والأفكار الواردة فيه في مجال تعليم المفردات مهمّة جدًّا، ويمكن الاستفادة منها في المدارس العربية، ما عدا الكلمة التي ذكرتها سابقًا، والتي تتكرر، والفقرة التي ذكرتها، والمشكلة أن الطالبة أكملت العمل، وأجل المناقشة شارف على الانتهاء، فهل أسمح لها بالمناقشة، وأتصرف في الترجمة -مثلما ذكرت، بأن أقول: اقتداء، بدلًا من تقمص، وأحذف الفقرة المخالفة للدين الإسلامي-؟ وهل أشير إلى سبب ذلك في الترجمة، أو لا أشير إلى ذلك؟
لكنني أخشى أن تعجب هذه الاقتراحات التعليمية الأساتذة الذين يتقنون الفرنسية، فيقرؤون الكتاب الأصلي بالفرنسية، ويكتشفون تلك الأباطيل، وربما يتبعونها، وأكون أنا السبب في ذلك؛ لأنني دللتهم على الكتاب عندما وافقت على الإشراف على ترجمة ذلك الفصل؛ لذلك فكرت ألّا أوافق على المناقشة، وأخفي جميع النسخ بعد ذلك، بأن أطلب من الأساتذة المناقشين أن يرجعوا لي النسخ، ولا أضع أي نسخة في الإدارة، أو في المكتبة، ولا أكتب عنوان الموضوع في المحضر؛ حتى لا يتعرف أحد إليه، وأطلب من الطالبة ألا تدع أحدًا يقرأ موضوعها، أو أرفض السماح للطالبة بالمناقشة، وأطلب منها أن تختار موضوعًا آخر، ومن ثم؛ فإنها ستعيد السنة -هذا إن قبلت-، وأخشى أن تتضرر نفسيًّا؛ لأنها تعبت كثيرًا في العمل، فهي تعمل منذ أشهر، وانتهت منه، وربما تترك الدراسة بسبب هذا الأمر.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فبالنسبة للفظة: (التقمّص) فإن لها مدلولًا خاصًّا عند من يعتقد تناسخ الأرواح، وأما من عداهم من الناس، فلا يفهمون منه هذه العقيدة الباطلة! وهؤلاء هم أكثر الناس، ومن ثم؛ فلن يفهموا منها إلا تقليد شخصية الأستاذ، والاندماج معها، بحيث يتأثر بها الطفل، ويفعل مثلها، وهذا لا يبتعد كثيرًا عن معنى الاقتداء الذي ذكرته الأخت السائلة، ومن ثم؛ فلا نرى حرمة في ذكر لفظ التقمّص في الترجمة، وإن كان لفظ الاقتداء هو الأولى بلا ريب.

وأما بالنسبة للفقرة التي يفهم منها الإشارة إلى أن آدم شخصية أسطورية، فهذه بالفعل ينبغي أن تحذف؛ فإن هذا هو اعتقاد ملحدي التطوريين، ومن شابههم، وهذا مخالف للإسلام، وغيره من الملل السماوية.

وعلى ذلك، فلا نرى حرجًا على السائلة في السماح بمناقشة هذه الرسالة بالطريقة التي ذكرتها، ولا تضيع على الطالبة جهدها، ووقتها.

ونشير في الختام إلى أن الترجمة المحضة التي تنقل أصل المعنى كما هو، كالكتابة ابتداء، فكل ما لا يجوز للمسلم كتابته من العبارات، لا يجوز له ترجمته؛ إلا إذا عالج ما فيه من أخطاء شرعية.

وانظري الفتوى رقم: 118575. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 186209.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني