الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نسبة النعمة للنفس واجتهادها مع نسيان المنعم

السؤال

أنا في دولة غربية، حيث ينجح الكافر والمؤمن، ويتفوقان، وإني بعد هذا لفي خوف وخشية من الفكر الذي يراودني، ولا أعلم كيف أوازن تفكيري؛ لأصل إلى رضى الله، وإرضاء نفسي، والثقة بما قد فعلت، وما قد قدمت لأجل هذا النجاح، فهل أنجح بفضل جهدي، وتعبي، وسهر الليالي، أم أنجح بفضل الله؟ فإذا قلت: إني أنجح بسبب تعبي؛ فإني في خجل شديد، وخوف من الله، فأنا لا أريد هذا، وإنما يراودني في داخلي، ولا أستطيع التخلص منه، وهل أقول: إن نجاحي من الله، بالرغم من أن هذا يشعرني كأني لم أعمل شيئًا في سبيل نجاحي، وأنه لا قيمة لتعبي وعنائي، الذي بذلت في سبيل الوصول لهدفي، فماذا أفعل؟ وكيف أصل إلى نقطة متوسطة ما بين هذا وذاك، ترضي الله، وترضيني، وتكون منطقية يصدقها العقل؟ وهل في فكري هذا معصية لله؟
مع العلم أني قرأت في عدة مدونات أن على الإنسان أن يعمل، ويشكر الله عند النجاح، أي أن يأخذ بالأسباب، وعلى أساسها يتوكل على الله، ومثال لذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اعقلها وتوكل"، فأرجو منكم عدم مؤاخذتي على سؤالي هذا الذي سألت في نفسي، وهو: (إن عقل الناقة، فما حاجته للتوكل على الله!؟)
أحتاج إلى جواب شاف -جزاكم الله خيرًا-، وادعوا لي بالهداية والثبات.
ملاحظة: هذا التفكير بدأ يعيقني عن التقدم في الحياة نحو الأفضل، والتفوق، وتطوير نفسي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يوفقك، وأن يشرح صدرك للهدى.

واعلم أن مثل هذه الخلجات الفاسدة التي يريد بها المرء أن يعظم نفسه الأمارة بالسوء، بنسبة نعم الله إليها، إنما هي وحي من الشيطان، وهي إلى علاج إيماني، أحوج منها إلى محاججة ومجادلة، وسَوق للبراهين والأدلة!

ولا ريب في أن كل خير يناله العبد في دينه، أو دنياه، فهو محض فضل من الله، يستحق سبحانه الشكر عليه، والعبد وإن بذل أسبابًا في تحصيل تلك النعم، إلا أن السبب وحده لا يستقل بالتأثير، لولا مشيئة الله وتقديره، فهناك ما لا يحصى من الموانع التي يمكن أن تحول بين السبب وبين وقوع أثره.

وهذا أمر ظاهر، لا ينبغي أن يماري فيه عاقل، والسبب نفسه الذي يبذله العبد من الذي يسره له، وأعانه عليه إلا الله سبحانه وتعالى؟!

وشكر الله على النعم، لا ينافي شهود الأسباب، وتأثيرها بعد حصول النعمة، وأن يجمع العبد قبل حصول النعمة بين التوكل على الله، والاعتماد عليه، وبين فعل الأسباب.

فالمحظور هو الاعتماد على الأسباب وحدها، ونسيان التوكل على الله قبل حصول النعمة، وأن ينسى العبد الشكر لله، وينسب النعمة إلى السبب بعد حصولها.

ونسبة النعمة للنفس وذكائها، واجتهادها مع نسيان المنعم سبحانه وتعالى، لون من ألوان الكفران والجحود، الذي من أقل عقوباته سلب النعمة، وزوالها، مع خراب القلب، وفساده، ونقص إيمانه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني