الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الثمن المؤجّل للمبيعات يدخل في تعريف الدَّين

السؤال

نعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطورة تأخير سداد الديون، والموت قبل سدادها، وأن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أسأل عن التداين في التجارة، وإليكم مثال ما يحدث:
تاجر جملة مثلًا يشتري بضاعة، ويكون الدفع مؤجلًا، ثم يبيع تلك البضاعة، أو بعضها بثمنها، أو بأجل أيضًا، ثم يسدد جزءًا من دينه، ويشتري المزيد من البضاعة، وهكذا.
في المنظومة المذكورة مصنع مثلاً ينتج البضاعة، ويبيعها لتاجر جملة، أو لموزع بثمن مؤجل، وهو بدوره يبيعها إلى محلات التجزئة بثمنها، أو بعضها، والباقي بأجل، وهكذا.
هذه المنظومة بطريقة السداد المذكورة تكاد تكون الغالبة على السوق كله في كل البلاد، فهل حكم تلك الديون كديون السلف المنوه عنها في أحاديث الديون المعلومة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل من نصيحة من الكتاب والسنة تنصحون بها المتعاملين في تلك المنظومة؟
غفر الله لكم، وجزاكم الله عن المسلمين خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالدين لا يقتصر على القرض، بل هو أعم منه، فيشمل القرض، وغيره مما يوجب انشغال الذمة؛ ولذلك قال ابن عابدين في حاشيته: الدين ما وجب في الذمة بعقد، أو استهلاك، وما صار في ذمته دينًا باستقراضه، فهو أعم من القرض. اهـ.

وعلى ذلك؛ فالدين له ثلاث صور: فمنه ما يكون بعقد، كالبيع الآجل. ومنه ما يثبت بالاستهلاك، كالإتلاف الذي يوجب ضمانًا في ذمة المتلف. ومنه ما يثبت عن طريق القرض.

وجاء في الفيومي في المصباح المنير: قوله تعالى: {إذا تداينتم بدين} [البقرة:282]، أي: إذا تعاملتم بدين، من سلم، وغيره، فثبت بالآية، وبما تقدم أن الدين لغة هو القرض، وثمن المبيع. فالصداق، والغصب، ونحوه، ليس بدين لغة، بل شرعًا، على التشبيه؛ لثبوته، واستقراره في الذمة. اهـ. وجاء في الموسوعة الفقهية في تعريف الدين: يشمل ما ثبت بسبب قرض، أو بيع، أو إجارة، أو إتلاف، أو جناية، أو غير ذلك. اهـ.

والمقصود أن الثمن المؤجل للمبيعات يدخل في تعريف الدين, فقضاؤه واجب كقضاء دين القرض، فإن كان له أجل معين، لم يجز تأخير السداد عن ذلك الوقت بلا عذر، وإن لم يكن له أجل معين، وجب الوفاء به عند مطالبة الدائن بحقه، قال ابن رجب في قواعده: القاعدة الثانية والأربعون في أداء الواجبات المالية. وهي منقسمة إلى دين، وعين: فأما الدين؛ فلا يجب أداؤه بدون مطالبة المستحق إذا كان آدميًّا ... وهذا ما لم يكن قد عين له وقتًا للوفاء، فأما إن عين وقتًا؛ كيوم كذا؛ فلا ينبغي أن يجوز تأخيره عنه؛ لأنه لا فائدة للتوقيت إلا وجوب الأداء فيه بدون مطالبة، فإن تعيين الوفاء فيه أوَّلًا كالمطالبة به. اهـ.

قال الشيخ الدكتور عبد الكريم اللاحم في تحرير هذه القاعدة في شرح تحفة أهل الطلب في تجريد أصول قواعد ابن رجب:

القاعدة الأولى: إذا كان الحق الواجب دينًا لآدمي غير محدد بزمن، لم يجب الوفاء به من غير طلب.

القاعدة الثانية: إذا كان الحق الواجب دينًا لآدمي محددًا بزمن، وجب الوفاء به عند حلوله من غير طلب ... اهـ.

والخلاصة؛ أن البيوع الآجلة في المنظومة التي أشار إليها السائل، لا حرج فيها ما التزم المدين بقضاء دينه، وكان له ما يُقضَى منه دينه، إن هو مات.

فإن مات وعليه دين مؤجل لم يحل أجله بعد، فجمهور العلماء على أن الدين يصير حالًّا بموت المدين، ولا ينتقل الأجل إلى الورثة، وراجع في ذلك الفتويين: 338314، 144557.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني