الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العمل في مراجعة الحسابات الربوية لإقرارها من قبل المسؤول

السؤال

أنا أعمل محاسبًا في قسم الموازنة والرقابة المالية كضابط امتثال، أو مراقب مالي في هيئة شبه حكومية، تقوم بالإشراف على القطاعات المالية غير المصرفية بتنسيب من الحكومة ومجلس الوزراء -الرهن العقاري، التأجير التمويلي، الأوراق المالية، التأمين-، حيث تقوم الهيئة بجباية الرسوم المفروضة من مجلس الوزراء من الشركات العاملة في هذه القطاعات، فهي تشكل إيرادات الهيئة -سوق رأس المال-، وتقوم الهيئة بربط هذه الإيرادات على شكل ودائع في بنوك إسلامية، وغير إسلامية -ربوية- مقابل فائدة سنوية، ويقوم المحاسب بقيد هذا الربا-الفوائد-، وأقوم بمراجعتها، وتحويلها للمدير المالي الذي يقوم بدوره بترحيلها بعد التأكد من صحة الاحتساب لمطابقتها مع حساب البنك الذي يقوم بتحويلها بشكل دوري، فهل عملي مراقبًا ماليًّا في هذه الحالة حلال أم حرام؟ فقد تعبت كثيرًا، ولا أعرف هل عملي حلال أم حرام؟
أرجوكم ساعدوني، فالأمر ليس بيدي، إنما هي سياسة إدارة عليا، وأحاول أن أتجنب هذه المعاملات، ولكني لا أستطيع دائمًا بطبيعة عملي.
وجزاكم الله الخير كله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرت في سؤلك أنك تعمل مراقبًا في هذه الهيئة التي تقوم بجباية الرسوم المفروضة، ومن ضمن عملك فيها مراجعة الحسابات الربوي منها، وغير الربوي؛ لرفعها للمسؤول ليُقِرَّها. وهذا العمل في مجمله لا يخلو من تعاون على الإثم، وإقرار لما لا يجوز؛ ولذا فإنك تجد في نفسك الحرج، والضيق منه، وربما تكون قد استفتيت وأفتيت بجوازه، لكن قلبك لم يطمئن، وقد جاء في حديث أبي ثعلبة الخشني -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ. رواه أحمد، وصححه الألباني.

وعن وابصة بن معبد -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ الْبِرِّ، وَالْإِثْمِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي، وَيَقُولُ: يَا وَابِصَةُ، اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ. رواه أحمد، وحسنه النووي.

وثبت في سنن النسائي، والترمذي بإسناد صحيح عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.

وبناء على هذا؛ فالجواب عما سألت عنه أن تدع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وأن تبحث عن عمل مباح، لا شبهة فيه، وستجده -بإذن الله-؛ فمن ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه، ومن اتقى الله كفاه، ورزقه من حيث لا يحتسب، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني