الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير قوله تعالى: قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي

السؤال

لماذا قال موسى عليه السلام: لا أملك إلا نفسي وأخي. بالرغم أنه كان معه من المسلمين.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن قوله سبحانه على لسان موسى عليه السلام : قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ {المائدة:25}، قاله لما عصاه قومه، ونكلوا عن الجهاد في سبيل الله، كما حكى الله عنهم: قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ {المائدة:24}.

فما ذكرته ليس بمشكل، فكون قوم موسى عليه السلام مسلمين لا ينافي عصيانهم له، وتمردهم، ونكولهم عن الجهاد.

قال ابن جرير الطبري: وهذا خبر من الله جل وعز عن قيل قوم موسى حين قال له قومه ما قالوا، من قولهم: "إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون" أنه قال عند ذلك، وغضب من قيلهم له، داعيا: يا رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي، يعني بذلك، لا أقدر على أحد أن أحمله على ما أحب وأريد من طاعتك واتباع أمرك ونهيك، إلا على نفسي وعلى أخي. من قول القائل: "ما أملك من الأمر شيئا إلا كذا وكذا"، بمعنى: لا أقدر على شيء غيره .اهـ.

وفي تفسير أبي السعود: {قال} عليه السلام لما رأى منهم ما رأى من العناد على طريقة البث والحزن والشكوى إلى الله تعالى مع رقة القلب التي بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة {رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي} عطف على نفسي وقيل على الضمير في إني على معنى إني لا أملك إلا نفسي، وإن أخي لا يملك إلا نفسه، وقيل على الضمير في لا أملك للفصل {فافرق بيننا} يريد نفسه وأخاه والفاء لترتيب الفرق أو الدعاء به على ما قبله {وبين القوم الفاسقين} الخارجين عن طاعتك المصرين على عصيانك بأن تحكم لنا بما نستحقه، وعليهم بما يستحقونه، وقيل بالتبعيد بيننا وبينهم وتخليصنا من صحبتهم .اهـ.
وفي تفسير الألوسي: (قال رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) هارون عليه السلام وهو عطف على نَفْسِي، أي لا يجيبني إلى طاعتك ويوافقني على تنفيذ أمرك سوى نَفْسِي وَأَخِي، ولم يذكر الرجلين اللذين أنعم الله تعالى عليهما وإن كانا يوافقانه إذا دعا؛ لما رأى من تلون القوم وتقلب آرائهم، فكأنه لم يثق بهما ولم يعتمد عليهما.
وقيل: ليس القصد إلى القصر بل إلى بيان قلة من يوافقه تشبيها لحاله بحال من لا يملك إلا نفسه وأخاه، وجوز أن يراد- بأخي- من يؤاخيني في الدين فيدخلان فيه، ولا يتم إلا بالتأويل بكل مؤاخ له في الدين، أو بجنس الأخ وفيه بعد. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني