الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دعاء المذنب .. ودعاء إبليس

السؤال

هل دعاء المذنب يستجيبه الله؟ وهل يوجد وجه دلالة لدعاء الشيطان لربه، وإجابته له؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه لا يصح القول بأن دعاء المذنب غير مستجاب، وإنما الذي جاءت به النصوص هو أن المعاصي قد تكون من موانع استجابة الدعاء، ولكن هذا لا يعني أبدا أن كل أدعية صاحب المعصية المصر عليها مردودة؛ فقد يكون للداعي المصر على المعصية من الأعمال الصالحة، أو صدق التضرع في الدعاء، أو غير ذلك، مما يبطل أثر المعصية التي يصر عليها في المنع من إجابة دعائه.

قال ابن رجب في شرحه لحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام: ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟ أخرجه مسلم. قال: وقوله صلى الله عليه وسلم: فأنى يستجاب لذلك. معناه: كيف يستجاب له؟! فهو استفهام وقع على وجه التعجب والاستبعاد، وليس صريحًا في استحالة الاستجابة، ومنعها بالكلية. فيؤخذ من هذا أن التوسع في الحرام، والتغذي به من جملة موانع الإجابة، وقد يوجد ما يمنع هذا المانع من منعه، وقد يكون ارتكاب المحرمات الفعلية مانعًا من الإجابة أيضًا، وكذلك ترك الواجبات؛ كما في الحديث أن ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، يمنع استجابة دعاء الأخيار. اهـ. من جامع العلوم والحكم.

وأما عن سؤال إبليس الإنظار، كما حكى الله عنه في كتابه: قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ {الأعراف:14-15} فقد اختلف العلماء هل أجيب دعاؤه -من باب الاستدراج والمكر به-، أم وافق سؤاله ما قدره الله، ولم يُجب دعاؤه أصلا؟

جاء في تفسير الألوسي: وظاهر النظم الكريم عند غير واحد، أن هذه إجابة لدعائه كلا أو بعضا، وفي ذلك دليل لمن قال: إن دعاء الكافر قد يستجاب، وهو الذي ذهب إليه الدبوسي وغيره من الفقهاء، خلافا لما نقله في البزازية عن البعض من أنه لا يجوز أن يقال: إن دعاء الكافر مستجاب؛ لأنه لا يعرف الله تعالى ليدعوه، والفتوى على الأول؛ للظاهر، ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان كافرا».
وحمل الكفر على كفران النعمة لا كفران الدين، خلاف الظاهر، ولا يلزم من الاستجابة المحبة والإكرام؛ فإنها قد تكون للاستدراج.

وقال بعض المحققين: الجملة إخبار عن كونه من المنظرين في قضاء الله تعالى، من غير ترتب على دعائه، وادعى أن ورودها اسمية، مع التعرض لشمول ما سأله اللعين الآخرين، على وجه يشعر بأن السائل تبع لهم في ذلك، صريح في أن ذلك إخبار بأن الإنظار المذكور لهم أزلا، لا إنشاء لإنظار خاص به، إجابة لدعائه. اهـ.

وعلى القول بأن الله قد استجاب دعاء إبليس، فقد فهم بعض الأئمة أن في ذلك إشارة إلى حض المسلم على الدعاء وعدم اليأس من الإجابة، وإن علم من نفسه الذنب والتقصير، فقد أسند البيهقي في شعب الإيمان عن سفيان بن عيينة قوله: لا تتركوا الدعاء، ولا يمنعكم منه ما تعلمون من أنفسكم، فقد استجاب الله تعالى لإبليس وهو شر الخلق، قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {الأعراف:14}، قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ {الحجر:37}.

وقد نقله جم غفير من أهل العلم، كالغزالي في الإحياء والقرطبي في تفسيره، والنووي في الأذكار وابن حجر في الفتح وغيرهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني