الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حياة الله تعالى صفة ذاتية كاملة لا يعتريها نقص

السؤال

هل الله يموت بعد استقرار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار؛ لأنه يراقب أو يحاسب من؟ فأهل الجنة ينعمون، وأهل النار ينعمون، فهناك من قال: إن الله يموت. أرجو الرد مع ذكر الأدلة الشرعية. وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنعوذ بالله من العماية، والضلالة، والخذلان!!! وسبحان الله وتعالى وتقدس عن هذا الاعتقاد الفاجر الكافر، فالله تعالى هو الحي الذي لا يموت، وهو الأول الذي لا قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء.

وقد كان ربنا سبحانه وتعالى قبل أن يخلق الخلق، فليس وجوده سبحانه وتعالى مرتبطًا بوجود الخلق -حوسبوا أو لم يحاسبوا، رُوقبوا أو لم يراقبوا- بل حياته سبحانه وتعالى صفة ذاتية كاملة، لا يعتريها نقص، ولا يقطعها شيء، قال تعالى: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، وقال سبحانه: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ [الفرقان:58]، وقال عز وجل: هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [غافر:65]، قال الزَّجَّاجي في اشتقاق أسماء الله: الحي في كلام العرب: خلاف الميت، والحيوان خلاف الموات، فالله عز وجل الحي الباقي الذي لا يجوز عليه الموت، ولا الفناء، عز وجل وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا. ولا تعرف العرب عن الحي والحياة غير هذا. اهـ.

وقال السعدي في تفسير أسماء الله الحسنى: الحي: الجامع لصفات الذات، والقيوم: الجامع لصفات الأفعال، وجمعهما في غاية المناسبة، كما جمعهما الله في عدة مواضع من كتابه، كقوله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم}، وذلك أنهما محتويان على جميع صفات الكمال، فالحي هو كامل الحياة، وذلك يتضمن جميع الصفات الذاتية لله، كالعلم، والعزة، والقدرة، والإرادة، والعظمة، والكبرياء، وغيرها من صفات الذات المقدسة. والقيوم هو كامل القيومية الذي قام بنفسه، وعظمت صفاته، واستغنى عن جميع مخلوقاته، وقامت به الأرض، والسماوات، وما فيهما من المخلوقات، فهو الذي أوجدها، وأمدها، وأعدّها لكل ما فيه بقاؤها، وصلاحها، وقيامها، فهو الغني عنها من كل وجه، وهي التي افتقرت إليه من كل وجه، فالحي، والقيوم من له صفة كل كمال، وهو الفعال لما يريد الذي إذا أراد شيئًا قال له: كن، فيكون، وكل الصفات الفعلية، والمجد، والعظمة، والجلال ترجع إلى اسمه القيوم، ومرجع صفات الكمال كلها ترجع إلى هذين الاسمين الكريمين؛ ولذلك ورد الحديث أن اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}؛ لاشتمالهما على جميع الكمالات. فصفات الذات ترجع إلى الحي، ومعاني الأفعال ترجع إلى القيوم. اهـ.

وأما ما أورد السائل في سؤاله، فهو نفسه دليل على بقاء الله تعالى، ودوام حياته سبحانه، وإلا فكيف لأهل الجنة أن ينعموا ويرزقوا في الجنة بغير حساب، ولا انقطاع، وأهل النار يعاقبون فيها، وتنوع عليهم أنواع العذاب وألوان الهوان أبد الآبدين، فمن الذي يفعل به ذلك إذا فُرض موت الخلاق العليم الحي القيوم سبحانه وتعالى!؟

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني