الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل تتعلق بسكن الزوجية والنفقة

السؤال

سأقص عليكم قصتي التي تسبب لي حالة قلق، وتفكير مستمر، وتعب، وضغط نفسي، وعدم قدرة على اتخاذ أي قرار.
أنا سيدة مطلقة، في الأربعين من عمري، ومعي 6 أولاد تحت رعايتي ونفقتي، ومقيمة في مصر، وليس لنا أحد في مصر، ولنا مساعدات غذائية، ومالية من الأمم المتحدة -ولله الفضل-.
منذ ثلاث سنوات تسرعت وتزوجت من رجل مصري، سرًّا عن أهله زواجًا عرفيًّا، بعلم أخي المقيم في الأردن عند محامٍ، بحضور شاهدين، من غير أن يكتب في العقد مقدمًا ومؤخرًا، أو مهرًا، أو ذهبًا؛ من شدة غبائي المطلق.
وبعد زواجي بسنة فرضت على الزوج أن يثبت زواجنا في المحكمة، ويكتب لي مؤخرًا قدره 10 آلاف جنيه، وحصل ذلك، وإلى الآن لم أنجب منه ولدًا، وأنا الزوجة الثالثة، وله زوجتان قبلي، وكل زوجة مقيمة في عمارة 4 طوابق، بريف المحافظة المقيمة بها أنا. وعنده منزل في بلدة قريبة من سكني، لكن العيش فيها غير ملائم لظروف معيشتنا اليومية أنا وأولادي، من سكن، أو عمل، أو مدارس.
وعند رفضي للسكن فيها قرر أن يتزوج الزوجة الرابعة، ويسكنها في تلك الشقة؛ فأصبحت في نفسي نفرة منه، ومنذ خمسة أشهر طلبت منه أن يستأجر لي بيتًا خاصًّا بي قريبًا من سكني؛ كي نلتقي أنا وهو به.
والبيت الذي فيه أولادي أتحمل مسؤوليته من إيجار، ومتطلبات الحياة؛ كي لا أحمّله فوق طاقته؛ فوافق، واستأجر لي بيتًا جميلًا كبيرًا جدًّا، فقلت له: إنه بيت كبير علينا، وتكفينا غرفة واحدة، فرد عليّ: إننا سنتقابل به لمدة سنة، وإنه سيبيع منزله الذي فيه زوجته الأولى، ويضع نقوده في شراء هذا البيت، وتسكن فيه زوجته وأولاده، فقلت له: أين البيت الخاص بنا؟ فقال: سأشتري لك بيتًا بعد شراء هذا البيت، ونقل أسرتي إليه، فرأيت أنني آخر أفكاره، فأصبح في قلبي كره له.
خلال السنوات الثلاث من زواجي منه، تنقلت في خمسة بيوت، وتعبت جدًّا أنا وأولادي، فأنا أدفع إيجار البيت ومتطلباته من كهرباء، وماء، ونت، وغاز...، ودفع هو لي 10 شهور فقط، ولا ينفق عليّ إلا القليل، وليس له وقت محدد للمبيت عندي، ولم يشتر لي ذهبًا نهائيًّا، وأكثر مصالحي أقضيها بنفسي، ومن مالي، علمًا أني أوفّر له الحقوق الزوجية كاملة، ولم يشترِ لي إلا غرفة نوم فقط، ولا يعطيني نقودًا إلا قليلًا جدًّا، ومنذ سنة ونحن في مشاكل، وتعب نفسي، وجدال، وهجر، ومنذ شهر تخاصمنا وانقطعنا عن بعض نهائيًّا. فعرضنا قصتنا على شيخ قريب من سكني، فأكّد لي الشيخ أن الزوج تزوجني زواجًا بسيطًا تقريبًا؛ للعفة فقط، وأنا التي أخطأت منذ بداية الزواج، ورضيت بهذا الزواج؛ لأنني لم أطلب منه مسكنًا، ولا أي شيء، وهذه نتيجة خطئي، فأنا رضيت بذلك الزواج دون مهر، أو مقدم، أو مؤخر، أو ذهب، ولم أفرض عليه مأوى، وإنه أقلم زواجه مني على ذلك الوضع، وإلى الآن لم يؤمن لي مسكنًا مستقرًّا.
والزوج الآن خيّرني بين أن أرضى بهذا الوضع، وعليّ الصبر، ولن يتغير أي شيء، أو الانفصال، أو أن أسكن بالبيت الذي لا يناسب وضعي، وأنا نادمة جدًّا على تسرعي في هذا الزواج، فماذا أصنع؛ لكي أرضي ربي، وأريح بالي، وأكون العبدة غير الظالمة -سواء مطلقة أم متزوجة-؟ أفيدوني -جزاكم الله خيري الدنيا والآخرة-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يلهمك رشدك، ويوفقك لما فيه الخير، وننبهك إلى بعض الأحكام المتعلقة بسؤالك:

- الزواج الشرعي له شروط وأركان، إذا تحققت كان صحيحًا، وترتبت عليه آثاره. وإذا رضيت الزوجة بإسقاط بعض حقوقها من القسم، والنفقة، والمسكن، فلا حرج في ذلك، وانظري الفتوى رقم: 263989.

- من حقّ الزوجة على زوجها أن ينفق عليها بالمعروف، والراجح عندنا أنّ النفقة الواجبة على الزوج هي قدر الكفاية من المأكل، والمسكن، والملبس؛ اعتبارًا بحال الزوجين، ولا يلزم الزوج أن يعطي زوجته مصروفًا زائدًا عن النفقة الواجبة، وانظري الفتوى: 132322.

- لا يشترط في مسكن الزوجية أن يكون مملوكًا للزوج، ولكن يكفي أن يملك منفعته بإجارة، أو إعارة، أو غيرها، قال الخطيب الشربيني -رحمه الله- في مغني المحتاج: ولا يشترط في المسكن كونه ملكه قطعًا، بل يجوز إسكانها في موقوف، ومستأجر، ومستعار. اهـ.

- لا يشترط أن يكون المسكن مستقرًّا في موضع لا يتغير، ولكن يجوز للزوج الانتقال بزوجته حيث شاء؛ بشرط أن يوفر لها المسكن المستقل المناسب الذي لا تتعرض فيه لضرر.

- الأصل في الطلاق أنه مبغوض شرعًا، فينبغي ألا يصار إليه إلا عند تعذر جميع وسائل الإصلاح. وإذا استطاع الزوجان الإصلاح، والمعاشرة بالمعروف، ولو مع التغاضي عن بعض الهفوات، والتنازل عن بعض الحقوق، كان ذلك أولى من الفراق.

- الأصل في علاقة الزوجين المودة، والتفاهم، ولا ينبغي لأحدهما أن يكره الآخر، أو ينفر منه لعيب فيه، أو تقصير منه في بعض الحقوق، بل ينبغي عليه الصبر، والتجاوز عن بعض الأخطاء، والتغاضي عن الزلات والهفوات، والنظر إلى الجوانب الطيبة في أخلاقه، ومعاشرته.

والذي ننصحك به أن تعاشري زوجك بالمعروف، وتصبري عليه، فإنّ شق عليك ذلك، فينبغي أن توازني بين ضرر بقائك معه على تلك الحال وضرر مفارقته، وتختاري ما فيه أقل الضررين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني