الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام من استعار جهازا موقوفا لطلاب في غرفة وسُرِقَ منه

السؤال

حيّا الله القائمين على هذا الموقع المبارك.
أنا طالب جامعي، في مرة من المرات، استلفت من إحدى الغرف جهازا، أوقفه أصحابه لينتفع به في تلك الغرفة. بعد مدة معينة سرق الجهاز ولم أجد ما أفعله، مع العلم أن الواقف لا يعلم بهذا، ومدة مكوث الجهاز خارج الغرفة الموقوف عليها في حدود العام، ثم تمت سرقته.
أفتونا في هذا، وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما دام هذا الجهاز كان موقوفا على هذه الغرفة بعينها، فلم يكن للسائل أن يستعيره خارجها، ففعله هذا تعدٍّ يوجب عليه الضمان، بخلاف ما لم يكن هذا الجهاز موقوفا على هذه الغرفة بعينها، بل على طلاب الجامعة بصفة عامة، فحينئذ لا يكون مستعيره من الطلاب متعديا. وبالتالي لو تلف، أو سُرق دون تفريط من المستعير: لم يجب عليه ضمانه.

قال ابن مفلح في الفروع: وَلَا يُضْمَنُ وَقْفٌ بِلَا تَفْرِيطٍ، في ظاهر كلامه -يعني الإمام أحمد- وأصحابه. اهـ.

وقال البهوتي في كشاف القناع: (ولو استعار وقفا ككتب علم وغيرها) كأدراع موقوفة على الغزاة (فتلفت بغير تفريط) ولا تعد (فلا ضمان).

قال في شرح المنتهى: ولعل وجه عدم ضمانها؛ لكون قبضها ليس على وجه يختص المستعير بنفعه، لكون تعلم العلم وتعليمه والغزو من المصالح العامة. أو لكون الملك فيه ليس لمعين. أو لكونه من جملة المستحقين له، أشبه ما لو سقطت قنطرة موقوفة بسبب مشيه عليها، والله أعلم. وفي التعليل الأول نظر؛ إذ عليه لا فرق بين الملك والوقف، ومقتضى التعليلين الأخيرين: أن ذلك لو كان وقفا على معين وتلف، ضمنه مستعيره كالمطلق، وهو ظاهر، ولم أره. اهـ.
ونقل ذلك عنه الرحيباني في مطالب أولي النهى، ثم قال: ما بحثه شارح الإقناع يؤيد هذا الاتجاه ... ويضمن المستعير ما تلف منها بتفريطه، أو تعديه. اهـ.

والمقصود أن على السائل ضمان هذا الجهاز، سواء سرق بتفريط منه، أو بغير تفريط؛ لأنه تعدى بإخراجه من الغرفة التي وقف عليها. وضمانه يكون بأداء قيمته لناظر الوقف إن وجد، وإلا فللواقف نفسه.

قال ابن نجيم في البحر الرائق: الولاية للواقف ثابتة مدة حياته، وإن لم يشترطها، وله عزل المتولي. اهـ.

على خلاف بين أهل العلم في تعيين الوقت المعتبر في تحديد هذه القيمة، أهو يوم التعدي بإخراجه من الغرفة، أم وقت سرقته، أم وقت الأداء؟ وراجع في ذلك الفتوى: 319480.
وهذه القيمة يجب على من أخذها أن يشتري بها بدلا للوقف الأول، ويصير وقفا بمجرد شرائه دون حاجة لتجديد وقفيته، على الصحيح.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى، والفتاوى الكبرى-: التعيين إذا فات قام بدله مقامه؛ كما لو أتلف الوقف متلف، أو أتلف الموصَى به متلف؛ فإن بدلهما يقوم مقامهما في ذلك. اهـ.
وذكر ابن رجب في قواعده، قاعدة: إذا تعلق بعينٍ حقٌّ تعلقًا لازمًا، فأتلفها من يلزمه الضمان؛ فهل يعود الحق إلى البدل المأخوذ من غير عقد آخر؟

وقال: فيه خلاف، ويتخرج على ذلك مسائل ... منها: الوقف إذا أتلفه مُتْلِف، وأخذت قيمته فاشترى بها بدله؛ فهل يصير وقفًا بدون إنشاء الوقف عليه من الناظر؟ حكى بعض الأصحاب في ذلك وجهين. اهـ.
وذكر المَرْداوي في الإنصاف هذين الوجهين، واستظهر أن البدل يصير وقفا بمجرد الشراء دون حاجة لتجديد وقفيته.

وقال: وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب هنا؛ لاقتصارهم على بيعه وشراء بدله ... قال شيخنا الشيخ تقي الدين ابن قندس البعلي، في حواشيه على «المحرر»: الذي يظهر أنه متى وقع الشراء لجهة الوقف على الوجه الشرعي، ولزم العقد، أنه يصير وقفا؛ لأنه كالوكيل في الشراء، والوكيل يقع شراؤه للمؤكل، فكذا هذا يقع شراؤه للجهة المشترى لها، ولا يكون ذلك إلا وقفا. انتهى. وهو الصواب. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني