الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام من وهبت ذهبها لبناتها في مرض الموت وبعد مدة طالب الأبناء بنصيبهم

السؤال

أمٌّ وهبت ذهبها وهي على فراش المرض للبنات، وكانت بكامل وعيها، وكان ذلك أمام البنات فقط دون الأولاد، وبعد موتها بـ 15 سنة جاء الأولاد يطالبون بنصيبهم من الذهب، ويقولون: إنه ميراث ويريدون نصيبهم بسعر اليوم. فهل لهم حق فيه أم لا؟
وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فقد سبق أن بينا في فتاوى سابقة أن الهبة في مرض الموت داخلة في حكم الوصية، وأنها لا تصح أن تكون لوارث، وحتى على القول بصحتها، فإنها لا تمضي إلا برضا الورثة، قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم، أن حكم الهبات في المرض الذي يموت فيه الواهب حكم الوصايا. اهـ.

وقال ابن قدامة في المغني: وَحُكْمُ الْعَطَايَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: أَنْ يَقِفَ نُفُوذُهَا عَلَى خُرُوجِهَا مِن الثُّلُثِ أَوْ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ. الثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ، إلَّا بِإِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ.... اهــ.

فهبة أو وصية الأم المشار إليها بالذهب لبناتها في مرض موتها تعتبر وصية لوارث، فإذا لم يرض بقية الورثة بإمضائها؛ فإن لهم الحق في إبطالها واسترداد الذهب والمطالبة بنصيبهم الشرعي فيه، لأنه من جملة التركة.

وأما سكوتهم طوال هذه المدة، فإن قامت قرينة على أن سكوتهم كان عن رضا بإمضاء الوصية، فليس لهم المطالبة الآن بشيء، وإن لم تقم قرينة على أن سكوتهم كان عن رضا، فإن لهم المطالبة بنصيبهم فقد يكون سكوتهم عن ظن منهم بأن الذهب للبنات، وأنه ليس من حقهم، ثم تبين لهم أنها وصية غير ملزمة، فطالبوا بحقهم.

جاء في الموسوعة الفقهية: لاَ شَكَّ أَنَّ السُّكُوتَ السَّلْبِيَّ لاَ يَكُونُ دَلِيلاً عَلَى الرِّضَا أَوْ عَدَمِهِ، وَلِذَلِكَ تَقْضِي الْقَاعِدَةُ الْفِقْهِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ: "لاَ يُسْنَدُ لِسَاكِتٍ قَوْلٌ، وَلَكِنَّ السُّكُوتَ فِي مَعْرِضِ الْحَاجَةِ بَيَانٌ" وَذَلِكَ إِذَا صَاحَبَتْهُ قَرَائِنُ وَظُرُوفٌ بِحَيْثُ خَلَعَتْ عَلَيْهِ ثَوْبَ الدَّلاَلَةِ عَلَى الرِّضَا. اهـ.

وقال الزركشي: السُّكُوتُ بِمُجَرَّدِهِ يُنَزَّل مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ بِالنُّطْقِ فِي حَقِّ مَنْ تَجِبُ لَهُ الْعِصْمَةُ، أَمَّا غَيْرُ الْمَعْصُومِ فَالأْصْل أَنَّهُ لاَ يُنَزَّل مَنْزِلَةَ نُطْقِهِ إِلاَّ إِذَا قَامَتْ قَرَائِنُ تَدُل عَلَى الرِّضَا فَيُنَزَّل مَنْزِلَةَ النُّطْقِ. اهـ.

فإذا لم يكن سكوتهم عن رضا فإن لهم الحق في المطالبة بالذهب، ولا يسقط حقهم مع طول المدة ولا يقال بالسعر الجديد أو القديم، بل يقال: إن الذهب الذي اقتسمه البنات لا يزال ملكاً لكل الورثة كلٌّ بقدر نصيبه في الميراث، فإذا كان الذهب موجوداً ولم تتصرف فيه البنات بالبيع ونحوه، فإن لهم أن يأخذوا نصيبهم منه، أو يعتاضوا عنه بالثمن الذي يريدونه، ولا يُلزمون بسعر قديم ولا جديد، وأما إذا تصرفت البنات في الذهب ببيعه، فإنهن مطالبات برد مثله.

وهذا؛ وليعلم أن حل القضايا التي فيها خصومات بين أطراف وخلافات إما أن يكون عن طريق التراضي والتصالح، وإما عبر رفعها إلى المحكمة الشرعية إن وجدت، أو مشافهة من يصلح للقضاء من أهل العلم حتى يتم سماع جميع الأطراف وحججهم، فإن هذا أدعى لمعرفة الحقوق وتمييزها.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني