الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أحوال الميت في قبره.

السؤال

بمجرد وفاة الإنسان هل يشعر بمن حوله ويعرفهم ؟ وهل يسمع ما يدار من حديث حوله ؟ وهل بمجرد دفنه يتحرك ويجلس لحسابه ؟ وهل ثقل وزنه بعد وفاته دليل كثرة ذنوبه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن المسائل المتعلقة بالميت وأحواله في قبره ، وهل يسمع ما يدور من حديث حوله ، ونحو ذلك ، تعتبر من الغيب الذي لا يجوز الخوض فيه إلا عند وجود الدليل الصريح من الكتاب أو صحيح السنة .
وقد اختلف العلماء في مسألة سماع الأموات كلام الأحياء ، فمنهم من قال بأنهم يسمعون كلام الأحياء ، ومنهم من نفى ذلك .
واستدل المثبتون بأدلة منها :
1 - ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - عن الميت - "إنه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا " .
2 - حديث خطاب النبي صلى الله عليه وسلم قتلى بدر من المشركين - بعد أن تركهم ثلاثة أيام - " يا أبا جهل بن هشام ، يا أمية بن خلف ، فسمع عمر رضي الله عنه ذلك فقال: يا رسول الله ! كيف يسمعوا وأنى يجيبوا ، وقد جيفوا ؟ فقال : " والذي نفسي بيده ، ما أنت بأسمع لما أقول منهم ، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا ". ثم أمر بهم فسحبوا فألقوا في قليب بدر. رواه البخاري ومسلم .
وقد سئل الإمام ابن تيمية رحمه الله هل الميت يسمع كلام زائره ؟ فأجاب: نعم يسمع في الجملة ، واستدل بما سبق .
3 - ما ثبت في الصحيحين من غير وجه أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالسلام على أهل القبور فيقول : " قولوا السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون".الحديث.
قالوا : فهذا خطاب لهم ، وإنما يخاطب من يسمع، إلى غير ذلك .
والقائلون بسماع الموتى منهم من قال بسماع الموتى مطلقاً ، ومنهم قيد ذلك بقوله: فهذه النصوص وأمثالها تبين أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي ، ولا يجب أن يكون السمع له دائماً ، بل قد يسمع في حالٍ دون حال ، وهذا السمع سمع إدراك ، ليس يترتب عليه جزاء ، ولا هو السمع المنفي بقوله : (إنك لا تسمع الموتى ) فإن المراد بذلك : سمع القبول والامتثال وهذا اختيار الإمام ابن تيمية .
وقد أنكرت عائشة رضي الله عنها : سماع الموتى لكلام الأحياء محتجة بقوله تعالى : ( إنك لا تسمع الموتى ) وبقوله : ( وما أنت بمسمع من في القبور) .[فاطر: 22].
وقد وافق عائشة جماعة من العلماء الحنفية ، وقالوا : بأن سماع أهل القليب للنبي معجزة ، أو خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأما حديث: " يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه " فقالوا : بأن ذلك خاص بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال جمعاً بينه وبين الآيتين.
والحق أن هذه المسألة قد أطال العلماء فيها الكلام ، ومن هؤلاء : الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ، والحافظ ابن كثير حيث انتصر لسماع الموتى في تفسير سورة الروم ، والحافظ ابن رجب في كتابه : أهوال القبور ، وصاحب تكملة أضواء البيان .. وقد انتصر الألوسي في: الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات ، لعدم سماع الموتى .
والحق الذي لا مراء فيه أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي ، ولا يلزم أن يكون السمع له دائماً ، بل قد يسمع في حال دون حال ، كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية ، وأما دعوى المخالفين : الخصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم فلا دليل عليها في هذه المسألة.
وأما قولك هل بمجرد دفنه يتحرك ويجلس لحسابه ؟
فقد ثبت ذلك في حديث البراء الذي رواه أحمد ، وأبو داود ، وغيرهما وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فتعاد روحه في جسده ، فيأتيه ملكان فيجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله . فيقولان له: ما دينك ؟ فيقول: ديني الإسلام ، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله ، فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت ". الحديث.

وأما قولك : هل ثقل وزنه بعد وفاته دليل على كثرة ذنوبه ؟
فالجواب : إننا لا نعلم لذلك دليلاً من كتاب ولا سنة ، والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني