الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاشتغال بطلب العلم.. أم تحصيل الرزق الزائد

السؤال

هل يؤاخذ الرجل الذي يتفرغ للعبادة وحضور مجالس العلم عن العمل، علما بأنه غير متزوج وعنده ما يكفيه وزيادة لأنه يعمل لشهرين فقط في السنة بالتجارة ؟؟؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد تضافرت أدلة الشرع على فضل العلم والحث على تحصيله، ومن ذلك قول الله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ(الزمر: من الآية9)، وقوله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ(فاطر: من الآية28)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. رواه البخاري.

وقد قسم أهل العلم طلب العلم إلى نوعين:

أحدهما: واجب عيني، وهو ما لا يسع المكلف جهله كأحكام العقائد والطهارة والصلاة ونحوها؛ لما روى ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طلب العلم فريضة على كل مسلم. قال النووي في المجموع: وهذا الحديث وإن لم يكن ثابتاً فمعناه صحيح. هـ

وثانيهما: واجب كفائي، وهو تحصيل ما لا بد للناس منه من إقامة دينهم من العلوم الشرعية كالقرآن والأحاديث وعلومهما والأصول والفقه والنحو واللغة وغيرها.

قال الرازي في تفسيره عند قول الحق سبحانه: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ(التوبة: من الآية122)، قال: في هذه الآية دلالة على وجوب طلب العلم، وأنه مع ذلك فرض على الكفاية لما تضمنت من الأمر بنفر الطائفة من الفرقة وأمر الباقين بالقعود لقوله: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً (التوبة: من الآية122) اهـ. وقال السرخسي في المبسوط: فإن أقوى الفرائض بعد الإيمان بالله تعالى طلب العلم، وقال ابن أبي زيد القيرواني: طلب العلم فريضة عامة يحملها من قام بها إلا ما يلزم الرجل في خاصة نفسه. قال شارحه: كالتوحيد والوضوء والصلاة والصوم والحج والبيع والشراء، فإنه فرض عين لا يحمله أحد عن أحد. اهـ

وبناء على ما تقدم؛ فإن طلب الإنسان للعلم العيني واجب وجوب الفرائض، وبالتالي يقدمه على الاشتغال بتحصيل الرزق الزائد عن الحاجة الضرورية لقيام بُنيته إذا لم يستطع الجمع بينهما، وكذلك إن كان هذا العلم كفائياً ولم يوجد من يقوم به في بلده، أما إن وجد وكان عنده ما يكفيه لحاجته من المال كما هو الحال في هذا السؤال، وعلم من نفسه الأهلية لطلب العلم، فهذا الأولى له الاشتغال بطلب العلم لما في ذلك من الخير الخاص والعام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني