الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقوال أهل العلم في فسخ الإجارة بالعذر

السؤال

قمنا بكراء بيت ، لمدة ثلاثة أشهر وقد دفعوا الثمن كاملا بعد انقضاء الشهر خرجوا بدون ما ينبهونا يعني شهرين الباقي لم يسكنوا فيها ، هل يجب علينا أن نرجع لهم المبلغ الخاص بالشهرين المتبقيين .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلمي أن جمهور الفقهاء اتفقوا على أن عقد الإجارة عقد لازم من الطرفين، وأنه ليس لواحد منهما فسخه إذا وقع صحيحا خاليا من خيار الشرط والعيب والرؤية، ويترتب على ذلك ملك المؤجر للأجرة وملك المستأجر للمنفعة، وأنه لا ينحل عقد الإجارة إلا بانتهاء المدة، أو بانقضاء الغرض المستأجر له العين في بعض الحالات، أو بوجود سبب من أسباب فسخه.

واختلف العلماء في فسخ الإجارة بالعذر، فالجمهور على أنها لا تفسخ إلا بعذر شرعي، ومثلوا لذلك بمن استأجر شخصا ليقلع ضرسه الذي يؤلمه فزال الألم، أو عذر حسي يتعلق بمصلحة عامة، كأن يحدث خوف عام يمنع المستأجر من السكن في المكان الذي به العين المستأجرة، أما إذا كان حادثا خاصا بالمستأجر وحده، فليس بعذر عندهم يفسخ الإجارة.

وذهب الأحناف إلى أن الإجارة تفسخ بالأعذار وتوسعوا في ذلك فقالوا -كما في البدائع وحاشية ابن عابدين وغيرهما من كتبهم-: إن كل ما يُعْجِزُ العاقد عن المضي في موجب العقد إلا بتحمل ضرر زائد لم يستحقه بالعقد يعتبر عذرا، وهذا بناء على أن عقد الإجارة عندهم منعقد ساعة فساعة على حسب حدوث المنفعة، والمنافع لا تملك جملة واحدة، بل شيئا فشيئا، فيكون اعتراض العذر فيها بمنزلة عيب حدث قبل القبض يوجب الفسخ.

وذكروا من الأعذار المعتبرة في الفسخ من جانب المستأجر: ما لو استأجر دكانا فأفلس وقام من السوق، أو استأجر دارا للسكن ثم اضطر للرحيل عن البلد، أو استأجر شخصا لمصلحة يأملها ثم بدا له أنه لا مصلحة له في ذلك، فهذه أعذار تفسخ بها الإجارة عندهم.

جاء في "رد المحتار على الدر المختار" في معرض ذكر أعذار فسخ الإجارة: وبعذر إفلاس مستأجر دكان إذا كسد سوقها حتى لا يمكنه التجارة، وكذا لو استأجر عقارا ثم أراد السفر، وكذا الانتقال من المصر عذر في نقض إجارة العقار، لأنه لا يمكن الانتفاع إلا بحبس نفسه وهو ضرر. اهـ.

وخلاصة المسألة: أنه لا يلزمكم رد إيجار الشهرين اللذين لم يسكن فيهما المستأجر، بل هو حق لكم بموجب عقد الإيجار الذي تم لمدة ثلاثة أشهر، هذا على مذهب جمهور العلماء، أما على مذهب الأحناف، فإن كان المستأجر خرج من الدار لعذر من الأعذار المتقدمة، فله أن يطالبكم بذلك.

والراجح -والله أعلم- هو مذهب الجمهور، لأن الإجارة بيع منافع، فإذا تم العقد صحيحا استحق البائع المؤجر ثمن المبيع (المنفق) سواء انتفع المستأجر بالمبيع أم لا.

جاء في "الروض المربع": وإن بدأ الآخر أي المستأجر فتحول قبل انقضائها، أي انقضاء مدة الإجارة، فعليه جميع الأجرة، لأنها عقد لازم فترتب مقتضاها وهو ملك المؤجر الأجرة، والمستأجر المنافع. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني