الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التوفيق بين حديث "إهالة سنخة" وحديث "كله مالم ينتن"

السؤال

أخرج مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رميت بسهمك فغاب ثلاثة أيام وأدركته فكله ما لم ينتن فهنا نهى عن أكل المنتن، وفي المقابل ذلك ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أجاب يهودياً إلى إهالة سنخة فكيف ينهى عن أكل المنتن ثم يأكله؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

ففي مسند أحمد عن أنس أن يهودياً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه.

وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم وهم يقولون:

نحن الذين بايعوا محمدا على الإسلام ما بقينا أبدا

قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يجيبهم:

اللهم إنه لا خير إلا خير الآخره فبارك في الأنصار والمهاجرة

قال يؤتون بملء كفي من الشعير فيصنع لهم بإهالة سنخة توضع بين يدي القوم، والقوم جياع وهي بشعه في الحلق، ولها ريح منتن.

وفي صحيح مسلم عن أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته فكله ما لم ينتن.

قال الحافظ في الفتح: إهالة "بكسر الهمزة وتخفيف الهاء: الدهن الذي يؤتدم به سواء كان زيتا أو سمنا أو شحما وسنخة أي تغير طعمها ولونها من قِدمها، ولهذا وصفها، في الحديث الثاني بكونها بشعة.

فظاهر الحديثين الأولين يعارض الحديث الثالث في حالة أن يعلم كون الإهالة المتغيرة كانت من الشحم، ويكون الجمع بينهما وبينه هو أنهما يحملان على جواز أكل الإهالة السنخة المستخرجة من الشحم.

ويحمل الحديث الثالث على كراهة أكلها إذا أنتنت ما لم تصل إلى حالة يقع بأكلها الضرر فيحرم، ولذلك قال العراقي في طرح التثريب عند شرح حديث جابر قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مائة راكب أميرنا أبو عبيدة بن الجراح، فأقمنا على الساحل حتى فني زادنا حتى أكلنا الخبط، ثم إن البحر ألقى دابة يقال لها العنبر فأكلنا منه نصف شهر.... وفي رواية لمسلم: فأقمنا عليه شهراً.

قال العراقي في طرح التثريب: قال أبو العباس القرطبي إن قيل كيف جاز لهم أن يأكلوا من هذه الميتة إلى شهر، ومعلوم أن اللحم إذا أقام هذه المدة بل أقل منها أنه ينتن ويشتد نتنه فلا يحل الإقدام عليه، كما قال في الصيد (كله ما لم ينتن) فالجواب: أن يقال لعل ذلك لم ينته نتنه إلى حال يخاف منه الضرر، لبرودة الموضع أو يقال إنهم أكلوه طرياً ثم ملحوه، وقددوة قلت -العراقي- الصحيح عند أصحابنا كراهة أكل المنتن دون تحريمه إلا أن يخاف منه الضرر خوفا معتمداً. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني