الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تسببت في فقدان والدتها ذاكرتها فهل لها من توبة

السؤال

سمعت عن واحدة في المستشفى تتعالج عند طبيب نفساني تسببت في أذية والدتها وكان عمرها 20 سنة، وتقول أن ما فعلته بوالدتها هو بسبب حالتها النفسية وجهل منها لأنها كانت تعيش بعيدة عن الناس ومنزوية عن الناس تماماً وعاشت مع والدتها بدون والدها وعمرها شهر وليس لديها أخوة والآن والدتها طريحة الفراش بعد أن تسببت في مرضها ولا تعي شيئاً، وأمها تحبها جداً وتسامحها وهي تحس بالندم الشديد وتخاف الله من العقاب وتقول بأن الله لن يغفر لها ما سببته لوالدتها من عذاب وهموم وتتمنى أن تعود الذاكرة لوالدتها وتدعو الله لكي تخبرها أن ما فعلته معها كان خارجاً عن إرادتها مع أنها تقول كان بإمكاني أن أصبر على ما يبتليني، والآن هي فهمت الحياة جيدا ومتدينة وقامت بعمل أعمال خير عن والدتها وتساعد كل من يحتاج لها ولا تفارقها أبدا وهي الآن مصابة بمرض مزمن منذ 10 سنوات وصابرة لأنها تقول تستحق ذلك، فهل ما أصابها يكفر عنها لأنها تقول أعلم أن من أغضب والديه وماتوا وهم أو أحدهم غاضب عليه لا يقبل الله توبته وجزاؤه النار خالدا فيها نعوذ بالله منها، وتقول من كثرة حب والدتها لها لو كانت تحس بها لرضت عنها لأن قلبها حنون جداً جداً ولو تعلم أن ابنتها وحيدة في هذه الدنيا وتتعذب لأجلها لتعذبت هي أكثر منها، فماذا أجيبها لكي أريحها، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن بر الوالدين من أعظم القربات، وعقوقهما من أعظم المنكرات، ولا شك أيضاً في أن أذية البنت لوالدتها وتسببها في إفقاد ذاكرة أمها يعد من أعظم العقوق، نسأل الله العافية.

ولكن هذا لا يعني أن باب التوبة مغلق أمامها، بل هو مفتوح لكل مذنب مهما بلغ ذنبه ومهما عظم، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، وقال سبحانه في الحديث القدسي: يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. رواه الترمذي، وقولها إن من مات والداه أو أحدهما وهو غاضب عليه لا يقبل الله توبته وجزاؤه جهنم خالداً فيها، كلام غير صحيح وهو من وساوس الشيطان، بل من تاب تاب الله عليه كما تقدم، والله يقبل توبة الكافر وليس بعد الكفر ذنب فمن باب أولى ما هو دونه.

وننصح هذه الأخت بالمبالغة في بر والدتها الآن فلعل ذلك يكون كفارة عما سلف، كما ننصحها بالدعاء والاستغفار لها وبالقيام بالأعمال الصالحة عنها كالصدقة وخاصة الصدقة الجارية، وما أصاب هذه الفتاة من مرض هي مأجورة عليه إن شاء الله، ونرجو أن يكون كفارة لذنوبها، نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتوب علينا وعليها وأن يعيننا وإياها على طاعته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني