الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيع الأسهم وتغير قيمتها بالزيادة والنقصان

السؤال

ساهمت كمؤسس بعشرة آلاف دولار في أحد البنوك الإسلامية في اليمن، وكان شرط البنك أن يكون الدفع بالدولار وعلى دفعات وتم تحويل قسطين وهي 5100 دولار، وقبل افتتاح البنك طلب مني أحد الإخوة أن أبيعه الأسهم فأبرزت له إيصالات التحويل على أنها بالدولار ووافق على الشراء فتمت المبايعة أمام مندوب البنك فدفع لي جميع ما حولته وهو 5100 دولار، و تم تحويل جميع البيانات إلى اسم المشتري وبعد مضي خمس سنوات أخبرني المشتري أن البنك حول مبلغ الأسهم إلى الريال اليمني وأنه يريد الفارق الذي خسره التحويل، علما بأننا لا نعلم الاثنان عند المبايعة أن البنك قد حول المبالغ إلى العملة اليمنية ولكن عرف المشتري بذلك وأكمل نقل البيانات إلى اسمه ولم أعرف أنا كالمشتري إلا بعد خمس سنوات ولوعرفت في حينه لم أكمل المبايعة بخسارة سأستمر حتى يتم التعويل من الأرباح السنوية، السؤال: هل يلزمني شرعا أن أدفع للمشتري ما يطلبه من فارق العملة، علما بأنها كانت قيمة الأسم التي هي باسمه الآن بعد هذه المدة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبيع الأسهم له حالات:

الحالة الأولى: أن يكون البيع قبل البدء بأي شيء في المشروع وفي هذه الحالة تكون حقيقة المعاملة هي بيع نقد بنقد فيشترط لها ما يشترط في المصارفة من التقابض والتماثل عند اتحاد العملة والتقابض فقط دون التماثل عند اختلاف العملة.

والحالة الثانية: أن يكون البيع بعد استهلاك جميع المال في عروض المشروع وفي هذه الحالة تكون حقيقة المعاملة هي بيع عروض بنقد أو بغيره ويشترط لها ما يشترط في البيع من عدم الغرر والجهالة وغير ذلك من شروط البيع المعلومة.

والحالة الثالثة: أن يكون البيع بعد استهلاك بعض المال في العروض وبقاء البعض الآخر نقدا كما هو الحال في أسهم البنوك وبعض الشركات وفي هذه الحالة تكون حقيقة المعاملة هي بيع عروض ونقد بنقد أو بنقد وعروض أو بعروض وهي ما يعرف عند الفقهاء بمسألة (مد عجوة).

وصورتها أن يجمع البيع ربوياً من الجانبين ويختلف جنس المبيع منهما بأن يشتمل أحدهما على جنسين ربويين ويشتمل الآخر عليهما، كمد عجوة ودرهم بمد من عجوة ودرهم، وكذا لو اشتمل على أحدهم فقط كمد ودرهم بمدين أو درهمين، أو اشتملا جميعهما على جنس ربوي وانضم إليه غير ربوي فيهما كدرهم وثوب بدرهم وثوب، أو في أحدهما كدرهم وثوب بدرهم.

إذا كان البيع على صورة من هذه الصور فهو باطل عند الجمهور لما رواه مسلم عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقلادة فيها خرز وذهب تباع، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال: الذهب بالذهب وزنا بوزن. وفي رواية: لا تباع حتى تفصل. واستدلوا من جهة النظر بأن قضية اشتمال أحد طرفي العقد على مالين مختلفين توزيع ما في الآخر عليهما اعتباراً بالقيمة، والتوزيع يؤدي إلى المفاضلة أو الجهل بالمماثلة.

وذهب الحنفية وحماد بن أبي سليمان والشعبي والنخعي إلى جواز ذلك إذا كان الربوي المفرد أكثر من الذي معه غيره، أو كان مع كل واحد منهما من غير جنسه، لأن العقد إذا أمكن حمله على الصحة لم يحمل على الفساد، فيجعل الربوي في مقابلة قدره من الربوي الآخر ويجعل الزائد في مقابلة ما زاد عن القدر المماثل.

وعليه فإذا كنت قد بعت أسهمك في البنك المذكور قبل أن يبدأ بأي نشاط فإنه يشترط المماثلة والتقابض عند اتحاد العملة والتقابض فقط دون المماثلة عند عدم اتحادها.

والذي يظهر لنا من السؤال أن أسهمك كانت عند العقد بالعملة اليمنية وبعتها بالدولار فلا يشترط حينئذ المماثلة ولكن يشترط التقابض وهو ما قد تم بحسب ظاهر السؤال، وإذا كنت قد بعت أسهمك بعد استهلاك بعض المال في العروض فبناء على ما سبق تكون المعاملة باطلة في مذهب الجمهور جائزة في مذهب الحنفية.

والذي لا يسع المسلمون غيره في مثل هذه المؤسسات التي يشترك فيها أناس من مختلف المذاهب ويتعامل معهم أناس من مختلف المذاهب هو التلفيق في الأحكام أي أنه لا بأس أن يأخذوا في بعض المسائل بمذهب وفي مسائل أخرى بمذهب آخر ما لم يكن قد ثبت الدليل بخلاف ما يأخذون به أو يكن غرض أحدهم تتبع الرخص والزلات.

وعلى كل فلا يحل لصاحبك أن يطالبك بفارق العملة لأنك إما أن تكون قد بعته الدولار بالدولار أو الدولار بالريال اليمني أو تكون قد بعته أسهمك في البنك وفي كل هذه الحالات قد تم البيع على ما كان ولا علاقة لك بتغير الحال في البنك بعد ذلك من ربح أو خسارة أو غلاء أو رخص لأن صاحب السهم من حينها هو صاحبه وليس أنت.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني