الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المضارب والوكيل يُحملان على الأمانة مالم يفرطا

السؤال

رئيس قسم الإفتاء بالشبكة الإسلامية - وزارة الأوقاف القطريةفضيلة الشيخ / عبد الله الفقيه حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،أرجو من فضيلتكم بيان الحكم الشرعي في المسألة التالية.
أنا موظف أعمل في المملكة العربية السعودية وقبل أربع سنوات كنت أودعت مبلغا من المال مع أحد الإخوة الذي يملك مطعما في الولايات المتحدة لكي يستثمره لي في هذا المطعم وبعد فترة طلب مني أحد أقاربي أن أسأل الأخ صاحب المطعم ما إذا كان بإمكانه أن يستثمر له مبلغا من المال في نفس المطعم فاستأذنت صاحب المطعم الذي وافق بشرط أن يكون التعامل مع قريبي من خلالي (لا يريد التعامل مع قريبي مباشرة حتى يوحد قناة الاتصال) فاتفقت مع قريبي أن نثبت المبلغ المُستثمر عن طريق توقيع ورقة بيننا (مرفق صورة من الورقة التي تم تحريرها بهذا الخصوص) وقد نصت الورقة على النقاط التالية:• أن المبلغ الذي استلمته هو بهدف الاستثمار في المطعم.• أنه سيتم توزيع الأرباح كل ثلاثة شهور (هذا الشرط من صاحب المطعم).• أن يتم تحويل الأرباح لقريبي بعد خصم نسبة 5% من صافي الأرباح نظير لتغطية مصاريف الاتصالات ورسوم التحويل البنكي للأرباح والفاكسات ... إلخ.• يحق لقريبي أن يسترد كامل مبلغ الاستثمار بعد مدة شهرين من تاريخ طلب الاسترداد (هذا الشرط من صاحب المطعم).
تم توزيع أرباح مرتين بعد تحويل مبلغ الاستثمار من قريبي وكانت الأمور على ما يرام حسب الاتفاق حتى أحداث سبتمبر 2001 م. بعد أحداث سبتمبر في الولايات المتحدة اتصلت بصاحب المطعم عدد من المرات الذي أبلغني أن أوضاعه (مثل عدد من المسلمين في الولايات المتحدة) تسير من سيئ إلى أسوأ، وبعد حوالي شهر أو أكثر بقليل انقطع الاتصال بصاحب المطعم ولا أدري ما مصيره أهو حي يرزق أم لا، وقد حاولت الاتصال بمن يعرفونه لمعرفة مصيره ولكن لا أحد يدري أو يريد أن يناقش الأمر؛ حتى أن أرقام الهاتف التي كنت أتصل عليه من خلالها (المكتب والمنزل والهاتف النقّال) كلها لم تعد صالحة. حينها أبلغت قريبي (الذي كان مطلعا على محاولاتي لمعرفة مصير الأخ) بأنني لا أستطيع العثور على صاحب المطعم بسبب الظروف العامة التي أحاطت بعدد كبير من المسلمين في الولايات المتحدة وخصوصا من كان منهم يتبع تعاليم دينه، وصاحب المطعم هذا رجل صالح صاحب صلاة وسيرته حسنه (نحسبه ولا نزكيه على الله).
أود أن أوضح بعض النقاط الهامة:• أنا لم أكن ضامنا لمبلغ الاستثمار ولم أتعهد بهذا لأحد وما كنت إلا وسيطا بين الطرفين.• قريبي هو الذي طلب مني استئذان صاحب المطعم حتى يستثمر ماله فيه.• صاحب المطعم قام بتوزيع أرباح كما تعهد.• ليس هناك ما يثبت أو يدعو للشك أن صاحب المطعم قد اختلس الأموال ذلك أنه موضع ثقة من خلال تعاملات أخرى تجارية بالإضافة إلى أنه وزع الأرباح بأمانة طيلة الفترة السابقة، ثم إنني لا أعرف مصيره حتى أسأله عن المبلغ.• لا يمكنني اتهام صاحب المطعم بالتقصير أو الإهمال في رعاية الأموال المُستثمرة لنفس السبب المذكور في الفقرة السابقة.
وحتى هذا اليوم لم أسمع من صاحب المطعم أو أسمع عنه أي خبر وقد اتصل بي قريبي مرات كثيرة وفي كل مرة أخبره بأني لا أعرف عن الرجل شيئا، وآخر اتصال من قريبي كان منذ أيام وأبلغني أنه يمر بضائقة مالية وأن عليه التزامات مالية يجب سدادها وأنه يحتاج الملبغ الذي كان قد استثمره في المطعم ذلك أنه يعتبرني مسؤولا عن ضياع هذا المبلغ وبالتالي فهو يطالبني أن أرده إليه فأبلغته أنني قد تضررت مثلما تضرر هو بل أكثر لأنني قد أودعت مبلغا أكبر منه ثم إنني لو كنت أظن (حتى الظن) أنني بالفعل مسؤول عن ضياع هذا المبلغ لكنت رددته إليه في حينه ولم أكن لأنتظر كل هذا الوقت.
والسؤال هو: هل أتحمل مسؤولية المبلغ؟ وهل يجب علي إرجاعه أو تعويض قريبي؟ أفتونا مأجورين جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا كان الأمر كما ذكرت فلست ضامنا ولا مسؤولا عن مال قريبك المذكور، كما أنه لا ضمان على صاحب المطعم لو تلف المال المستثمر عنده بغير تعد منه ولا تفريط، ووجه ذلك أنك أنت مجرد وكيل في تسليم هذا المال للرجل صاحب المطعم، وتسلم الأرباح منه إن وجدت، وهو أي صاحب المطعم يعتبر مضاربا، والمضارب وكيل عن رب المال.

وعلى كل حال؛ سواء قلنا إن المضارب وكيل أو قلنا إنه شريك فإنه لا يضمن ما لم يتعد أو يفرط وهو محمول على الأمانة، والأمانة مقتضاها تصديقه والرجوع إلى قوله لو ادعى تلفا أو خسارة.

قال السرخسي، وهو حنفي: ولو قال المضارِب في مرضه قد ربحت ألف درهم ووصلت إلي فضاع المال كله، وكذبه رب المال، فالقول قول المضارب مع يمينه لأنه أمين...

وقال خليل بن إسحاق في مختصره، وهو مالكي: والقول للعامل في تلفه وخسره.

وقال الإمام النووي، وهو شافعي: ويصدق العامل بيمينه في قوله لم أربح..... وفي دعوى التلف.

وقال ابن قدامة، وهو حنبلي: وكذلك القول قوله فيما يدعيه من تلف المال أو خسارة، وما يُدَّعَى عليه من خيانة وتفريط.

فاتضح لنا من كلام هؤلاء الأئمة أن المضارب أمين، وأنه مصدق بيمين على قولً، وبغير يمين على قولٍ آخر، والشاهد من هذا في مسألتنا أن صاحب المطعم محمول على الأمانة والصدق فيما لو كان حيا وادعى خسارة للمال أو تلفه من غير تفريط ولا تقصير منه، وأنه لا يضمن، ولا يضمن بالأولى لو مات هو مع تلف المال أو خسارته.

أما أنت الوسيط فلا تضمن أيضا لأنك مجرد وكيل تسليم وتسلم -كما قدمنا- ولم تتعد فيما وكلت فيه على ما ذكرت، وبالتالي فتلف هذا المال أو خسارته لو تحقق ذلك يعتبر مصيبة نزلت بصاحبه فليحتسبها عند الله عز وجل.

هذا؛ وننبه إلى أن ما ورد من الاتفاق بينك وبين قريبك على خصم نسبة 5% من صافي الأرباح مقابل تغطية مصاريف الاتصال..... لا يصح، وذلك لما فيه من الجهالة لأن تلك النسبة قد تقل وقد تكثر حسب الأرباح قلة وكثرة، ولا تجوز الجهالة لا في الجعل ولا في الإجارة، وكان اللازم في مثل هذه الحالة هو خصم المصاريف المذكورة أي ما يخص قريبك منها من نسبته من الربح بالغة ما بلغت.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني