الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مطالبات ليست واجبة على الزوج

السؤال

فضيلة الشيخ يرجى الصبر بقراءة الموضوع والرد جزاكم الله عني خيرا
تنعتني زوجي بالتقصير بحقها وذلك في المدة التي أقضيها معها وذلك بسبب عملي والخارج عن سيطرتي حيث إني أخرج لعملي الساعة 7 صباحا وأعود الساعة 9 مساء لمدة خمسة أيام أسبوعيا وعند عودتي أكون مرهقا تعبا فأخلد للنوم الساعة 12 نصف الليل ومن الساعة التاسعة وحتى الثانية عشر أكون عن غير قصد كسولا نعسا. فهل أنا مقصر؟
وأما في الإجازة الأسبوعية وهي يومين أبقى معها أغلب الوقت وأذهب معها لزيارة والدي ووالدتي وبعض الأحيان وبمعدل ثلاث ساعات أسبوعيا أخرج مع أصدقائي. وأقوم ببعض الأعمال الرسمية وباقي الوقت معها. فهل أنا مقصر؟
علما بأننا متزوجون منذ سنة وستة أشهر ولم نرزق بأطفال وهي لا تعمل وأهلها في بلد آخر أي أنها تبقى في البيت أغلب الوقت.. فهل يعني هذا أن أدعها تخرج من البيت إلى السوق مثلا من دون محرم! علما بأني استخرجت لها رخصة قيادة سيارة وقدمت لها للحصول إلى عمل ونحن على وشك إنجاب ابننا الأول بفضل الله. فهل أنا مقصر؟
وأما الأمر الآخر فأنا من ذوي الدخل المحدود وما يميتني وأنا حي هو الدين ولقد استدنت للزواج وأقوم الآن بسداد ديني ولي إخوة متزوجون ووضعهم أكثر استقرارا ماديا مني وتبقى زوجي بمقارنة ما هي فيه بهم وذلك مثلا وليس حصرا في الخروج في رحلة سياحية كشهر عسل حرمت منه، وشراء الماس واللؤلؤ والذهب كباقي نساء العائلة وفرش بيتها بأبهى الفرش وأحلاه وشراء ملابس من محلات وعلامات تجارية عالمية والذهاب إلى السهرات وطلب أغلى وألذ المأكولات علما بأنني لا أقوم بذلك لنفسي ولا يبقى معي في آخر الشهر شيء من المال ولا أنفق على أهلى إلا القليل وأشعر دوما بشعورهم أيضا بتقصيري معهم فأنا بين نار زوجتي ونار أهلي فما العمل وهل أنا مقصر؟
شيخي ، لقد بكيت كثيرا بيني وبين نفسي لكل هذا. وأزيدكم فضيلة الشيخ أنا أشعر بعدم أحقيتي وأحقية أهلي بمالي هذا للأمور الرفاهية والكمالية غير الضرورية وأمة الإسلام والمسلمين وخاصة في بلدي فلسطين بحاجة لعلاج المصابين وكفالة الأيتام وتزويج الشباب. أنا لا أقوم بشيء من هذا إلا القليل والقليل جدا لذلك أغض الطرف عن ترفيه نفسي وزوجي وأهلي. فكيف لي أن أقوم بهذا وأنا كان من الممكن أن أكون تحت النار أو أفقد أخاً أو صديقاً أو حبيباً في الحرب. كيف لي أن أكون سعيدا وأرى الدموع في أعين الأيتام. شيخي أنا لست إنسانا مثاليا ولكني ضعيف وضعيف جدا. فهل أنا مقصر؟
شيخي أرجو الشرح في الرد مع ذكر الأمثلة في واجباتي تجاه زوجتي وأمي وأبي وأهلي والمسلمين، مع جزيل الشكر والامتنان

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن المسلم تتنازعه مجموعة من الحقوق وتجتمع عليه واجبات متعددة، وينبغي أن يعطي كل ذي حق حقه بلا حيف، فلله حق وهو أن يُعبد وفق ما شرع ولا يشرك به شيئاً، وللوالدين حق وهو برهما وصلتهما بالمعروف والإنفاق عليهما إن كانا معسرين، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (الإسراء: من الآية23)، وللزوجة حق وهو معاشرتها بالمعروف، قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (النساء: من الآية19)، وتأديبها وتربيتها ونصحها، ولها حقوق مادية، قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ(البقرة: من الآية228)، قال الضحاك في تفسير الآية: إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن فعليه أن يحسن صحبتها ويكف عنها أذاه، وينفق عليها من سعته، وإعطاؤها حقها في المبيت معها وملاطفتها، وإعطاؤها حقها في الجماع. ا.هـ

فمن حقوقها النفقة عليها، قال تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا(الطلاق: من الآية7)، وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. رواه مسلم.

قال صاحب المغني: وجملة الأمر أن المرأة إذا سلمت نفسها إلى الزوج على الوجه الواجب عليها، فلها عليه جميع حاجتها من مأكول ومشروب وملبوس ومسكن، قال أصحابنا –يعني الحنابلة-: ونفقتها معتبرة بحال الزوجين جميعاً، فإن كانا موسرين فلها عليه نفقة الموسرين، وإن كانا معسرين فعليه نفقة المعسرين، وإن كانا متوسطين فلها نفقة المتوسطين... إلخ. وعليه؛ فإذا قدم الرجل لزوجته ما يجب عليه من نفقة وكسوة ... إلخ سقط عنه الواجب وبرئت ذمته.

فليس للزوجة أن تطلب من زوجها ما هو فوق طاقته من المجوهرات الثمينة والملابس الغالية وغير ذلك، فهذا ليس حقا لها، وإنما الواجب عليها أن تصبر على ضيق يد زوجها، فالزوجة الصالحة تعين زوجها على الدنيا ولا تعين الدنيا عليه، قال صلى الله عليه وسلم مادحاً التي تراعي حال زوجها: خير نساء ركبن أعجاز الإبل نساء قريش، أحناهن على ولد في الصغر، وأرعاهن لبعل في ذات يده.

وأما طلبها قضاء شهر عسل كما يفعل الناس، فهذا فضلاً عن كونه عادة غربية لا تخلو من محرمات كالإسراف وشهود مجالس اللهو والاختلاط وغير ذلك، فإن فيه مع ذلك حصراً للسعادة الزوجية في شهر، والأولى لها أن تعلو همتها إلى المعالي، فتعمل على تحصيل السعادة الزوجية الدائمة باتخاذ الأسباب المشروعة.

وأما الخروج للسياحة في هذا الزمان فلا يخلو من منكرات الشواطئ كالعري والاختلاط، وكذلك طلبها السهرات ليس لها، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السمر بعد العشاء، كما أن هذه السهرات لا تخلو غالباً عن بعض المحرمات كالاختلاط، ويترتب عليها غالباً تضييع لبعض الواجبات كصلاة الفجر في وقتها.

وليتك وأنت الراعي في بيتك والمسؤول عنها أمام الله علمتها أن الدنيا ليست نهاية المطاف، وأن غمسة واحدة في جهنم تنسي الإنسان ما مر به من نعيم في الدنيا، كما أن غمسة واحدة في الجنة تنسيه ما مر به من شقاء في الدنيا.

وعلى زوجتك أن تعلم أن أحق الناس بالطاعة زوجها، ولذلك قال لأسماء بنت يزيد بن السكن لما علم أنها ذات بعل (أي متزوجة) قال لها: انظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك أو نارك. بينما أحق الناس على الرجل أمه ثم أبوه، فقد سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أبوك.

ولكن النساء لما بعدن عن الالتزام بالدين اختلطت عليهن المفاهيم ولم يعرفن الأولويات، فأردن أن يستحوذن على أزواجهن، فلا يدعنهم يؤدون الحقوق لمستحقيها، وهذا والله من أبشع الظلم.

ثم إننا نحيي فيك شعورك بإخوانك وقرابتك المستضعفين وأنت في أرض المهجر، فإن لهم علينا حقاً أقله الدعاء لهم وتفقد أحوالهم وتتبع أخبارهم.

ولا يفوتنا أن ننبهك هنا إلى أشياء، منها: أن بقاء الزوجة وحدها في المنزل لا يعد مسوغاً لها أن تخرج إلى الأسواق وحدها، فإن الأصل بقاء المرأة في البيت وعدم الخروج منه إلا لحاجة، فقد قال تعالى آمراً نساء المؤمنين: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ (الأحزاب: من الآية33)، والأمر يفيد الوجوب كما أنه لا يخفاك ما في الأسواق من المنكرات كاختلاط الرجال بالنساء ونحو ذلك.

وأما بخصوص استخراج رخصة قيادة لها ، فقيادة المرأة للسيارة جائزة بضوابط بيناها في الفتوى رقم : 2183، وليتك ما أقدمت على إخراجها من بيتها للعمل من غير حاجة ماسة لذلك لما تقدم من أمر الله للنساء بالقرار في البيت وعدم الخروج منه إلا لمصلحة يعتبرها الشرع، ثم إنها على وشك الإنجاب، وفي خروجها اليومي للعمل تضييع لحق الوليد من تمام العناية والرعاية.

والذي ننصحك به أن تجعلها تنخرط مع الأخوات المؤمنات الصالحات، فإن خلطتهن فيها خير كثير، فإن صحبة الصالحين تغري بالصلاح والصاحب ساحب كما يقولون.

نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشرح صدر زوجتك، وأن يرزقكما السعادة الزوجية، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني