الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سد الذرائع في الكتاب والسنة ومذاهب الأئمة

السؤال

أرغب في معرفة نشأة باب سد الذرائع والأجواء السياسية التي كانت محيطة بنشأة هذا الباب في الفقه الإسلامي وإن كانت هنالك كتب عن نشأته، فأتمنى تزويدي بها.
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فسد الذرائع هو واحد من الأصول المختلف فيها من بين أهل السنة، وقد أخذ به الإمام مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل في رواية عنه، ومنعه الشافعي وأبو حنيفة، ويرى أهل التحقيق أن الأحناف والشافعية لم يسلم مذهباهما من الأخذ بسد الذرائع في واقع الحال عند تنزيل الأحكام على الأحوال.

فهم وإن كانوا منعوا منه تقعيدا وتأصيلا، قد حكموا بمقتضاه تفريغا وتفصيلا.

قال الشوكاني في إرشاد الفحول: قال القرافي لم ينفرد بذلك (يعني مالكا)

بل كل واحد يقول بها ولا خصوصية للمالكية بها إلا من حيث زيادتهم فيها. قال: فإن من الذرائع ما هو معتبر بالإجماع، كالمنع من حفر الآبار في طريق المسلمين وإلقاء السم في طعامهم وسب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله، ومنها ما هو ملغى إجماعا، كزراعة العنب فإنها لا تمنع خشية الخمر، وإن كانت وسيلة إلى المحرم، ومنها ماهو مختلف فيه كبيوع الآجال، فنحن لا نغتفر الذريعة فيها.

وخالفنا غيرنا في أصل القضية أنا قلنا بسد الذرائع أكثر من غيرنا لا أنها خاصة بنا..(1/412).

والذريعة هي أمر غير ممنوع في نفسه، ولكن يخاف في ارتكابه الوقوع في ممنوع.

وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على اعتبار الذرائع، قال الله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ }(الأنعام: 108)

فمنع من سب آلهتهم مخافة مقابلتهم بمثل ذلك.. ومن السنة نهيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن تصوير من مات من الصالحين وبناء المساجد عليهم خشية أن يعبدوا.

روى الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فيمن يفعل ذلك: "إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصورا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة".

وباب سد الذريعة لا تعرف له ظروف أو أجواء سياسية، وإنما نشأ من الكتاب والسنة، كما هو الحال في سائر الأصول الأخرى.

ولم نقف على كتب تحدد نشأة هذا الأصل، والمعروف أن اعتباره أصلا من أصول الفقه نشأ مع نشأة مذهب الإمام مالك، وهو في الحقيقة أقدم من ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني