الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوقف إذا فضل من ريعه واستغني عنه

السؤال

يوجد في قريتنا في اليمن [مجلس] سبيل لأي غريب يمر بالقرية، أوقفه شخص متوفى منذ مئات السنين، وأوقف أرضا زراعية لخدمة هذا السبيل [المجلس]، وقليل جدا من يرتاد هذا المجلس، فهل يجوز أن نحول الأرض أو دخلها لصالح مسجد القرية مع بقائها، أو هل يجوز أن نقسم ريع هذه الأرض بين المجلس وبين المسجد، مع العلم بأنه نادر جدا من يرتاد المجلس وحتى من يأتي لا يكلف شيئا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما زاد من ريع هذه الأرض عن حاجة هذا المجلس يصرف إلى نظير الجهة التي عينها الواقف متى ما أمكن ذلك، وذلك كمجلس آخر أو مضيفة يستفيد منها ابن السبيل، لأن الفاضل من ريع هذه الأرض، لا سبيل إلى صرفه على هذا المجلس الذي لا يرتاده إلا القليلون، ولا سبيل أيضاً إلى تعطيله وحبسه لأن هذا خلاف مقصود الواقف في التقرب إلى الله، فلم يبق إلا صرفه في جنس ما أراد الواقف لأن ذلك أقرب الطرق إلى تحقيق مقصوده من الوقف.

وقد سئل شيخ الإسلام عن الوقف إذا فضل من ريعه واستغني عنه؟ فأجاب بأنه: يصرف في نظير تلك الجهة؛ كالمسجد إذا فضل عن مصالحه صرف في مسجد آخر، لأن الواقف غرضه في الجنس، والجنس واحد، فلو قدر أن المسجد الأول خرب ولم ينتفع به أحد صرف ريعه في مسجد آخر، فكذلك إذا فضل عن مصلحته شيء، فإن هذا الفاضل لا سبيل إلى صرفه إليه، ولا إلى تعطيله، فصرفه في جنس المقصود أولى، وهو أقرب الطرق إلى مقصود الواقف. وقد روى أحمد عن علي رضي الله عنه: أنه حض الناس على إعطاء مكاتَب، ففضل شيء عن حاجته فصرفه في المكاتبين.

وقال أيضاً: فزائد الوقف يصرف في المصالح التي هي نظير مصالحه وما يشبهها، مثل صرفه في مساجد أُخَر وفي فقراء الجيران ونحو ذلك لأن الأمر دائر بين أن يصرف في مثل ذلك أو يرصد لما يحدث من عمارة ونحوه، ورصده دائماً مع زيادة الريع لا فائدة فيه بل فيه مضرة وهو حبسه لمن يتولى عليهم من الظالمين المباشرين والمتولين الذي يأخذونه بغير حق، وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه حض الناس على مكاتب يجمعون له، ففضلت فضلة فأمر بصرفها في المكتابين، والسبب فيه أنه إذا تعذر المعين صار الصرف إلى نوعه.

وقال البهوتي في كشاف القناع: (فإن تعطلت) جهة الوقف التي عينها الواقف (صرف في جهة مثلها، فإذا وقف على الغزاة في مكان فتعطل فيه الغزو صرف) البدل (إلى غيرهم من الغزاة في مكان آخر...) تحصيلا لغرض الواقف في الجملة حسب الإمكان.

وبهذا يعلم أنه لا يصرف شيء من ريع هذه الأرض إلى مسجد القرية ما دام يمكن صرفه في نظير الجهة التي عينها الواقف، أما إذا لم يمكن صرفه إلى نظير تلك الجهة فلا حرج حينئذ في صرفه في مسجد القرية أو في الفقراء والمساكين، وإذا كان أقارب الواقف فقراء، فهم أحق به من غيرهم إذا كان سيصرف إلى الفقراء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني