الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القضاء المحتوم والقضاء المعلق

السؤال

أرجو إفادتي بمعنى القضاء المحتوم والقضاء المعلّق وأكون لكم من الشاكرين وإثبات صحة هذا الكلام :: القضاء المحتوم: ما كُتب في اللوح المحفوظ وصحف الملائكة أن هذا الشيء يصيب الإنسان أوأهل تلك الناحية مما يسر أو مما يسوء من المصائب والبلايا من دون تعليق، هذا يقال له القضاء المحتوم . القضاء المعلق : هوما كُتب في اللوح المحفوظ أوفي صحف الملائكة أن فلانا إذا عمل كذا وتصرف كذا يكون له كذا يحصل له كذا ولا يصاب بكذا ، يتحقق له ما هومكتوب في اللوح أوفي صحف الملائكة، يتحقق له وإن لم يفعل لا يتحقق له . أما في علم الله تعالى فالله تبارك وتعالى يعلم أن رزقه لا يزيد على هذا القدر وأنه لا يفعل ذلك الشيء المعلق عليه ، علم الله تعالى ثابت لايتغير . ومثل هذا الذي يدعو ليلة النصف من شعبان أوليلة القدر في رمضان . إن دعا الله تبارك وتعالى وكان سبق في علم الله أنَّ فلانا إن دعا ليلة كذا بكذا لا يصيبه البلاء الفلاني والمصيبة الفلانية يتحقَّق له ذلك ما سبق بعلم الله تعالى بسبب دعائه في تلك اليلة ، أما إذا عَلم الله تعالى في الأزل أنَّ فلانا يدعو ليلة كذا أن لا يصيبه كذا أوبأن ينال كذا ، وعَلم الله لا بدَّ أن يصيبه ذلك البلاء أوأنه لا يُعطى مطلوبه الذي طلبه فلا يتغير الأمر عما سبق في عِلْم الله لكن دعاءه يفيده الثواب لا غير .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن من القضاء ما يكون واقعاً محتوما وهو ما سبق في علم الله، ومنه ما يكون مصروفاً بأسبابه وهو القضاء المعلق المكتوب في صحف الملائكة، وقيل ما في اللوح المحفوظ لأنه خرج عن الغيب لإحاطة بعض الملائكة به فيحتمل التبديل كما قال القرطبي ، ومذهب أكثر أهل العلم أن السعادة والشقاوة والموت والحياة وما شابه لا يدخلها المحو، واحتجوا بأدلة منها قوله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا {المنافقون: 11}. وقوله تعالى: إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّر{نوح: 4}. ومنها حديث ابن مسعود في الصحيحين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أم سعيد. ومنها حديث أم حبيبة قالت: اللهم متعني بأبي أبي سفيان وبأخي معاوية وبزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لقد سألت الله في آجال مضروبة وأرزاق مقسومة لا يؤخر منها شيء. قال الإمام النووي: وهذا الحديث صريح في أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تتغير عما قدره الله وعلمه في الأزل فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة عن ذلك. و ذهب بعض أهل العلم إلى أن السعادة والشقاوة والحياة والموت يدخلها المحو والإثبات واحتجوا بقول الله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ {الرعد:39}. وحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه. متفق عليه. ومنها حديث: لا يرد القدر إلا الدعاء. أخرجه الترمذي. قال الإمام النووي: وقد أجاب العلماء على ذلك بأجوبة: الصحيح منها أن هذه الزيادة بالبركة في العمر والتوفيق للطاعة وعمارة أوقاتها بما ينفعه في الآخرة. الثاني: أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه، فإن وصلها زيد له أربعون وقد علم سبحانه ما يقع له من ذلك وهو معنى قوله تعالى: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ. فبالنسبة إلى علم الله وما سبق به قدره لازيادة بل هي مستحيلة، وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تتصور الزيادة وهو مراد الحديث. اهـ. شرح مسلم بتصرف يسير.

قال الحافظ ابن حجر: والحق أن النزاع لفظي وأن الذي يسبق في علم الله لا يتغير ولا يتبدل، وأن الذي يجوز عليه التغيير والتبديل ما يبدو للناس من عمل العامل ولا يبعد أن يتعلق ذلك بما في علم الحفظة والموكلين بالآدمي فيقع فيه المحو والإثبات كالزيادة في العمر والنقص. انتهى. ( من الفتح). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ( في مجموع الفتاوى): قال العلماء إن المحو والإثبات في صحف الملائكة، وأما علم الله سبحانه فلا يختلف ولا يبدو له ما لم يكن عالما به فلا محو فيه ولا إثبات. اهـ. قال العلامة السعدي: يمحو الله ما يشاء من الأقدار ويثبت ما يشاء منها وهذا المحو والتغير في غير ما سبق به علمه، وكتب قلمه، فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغير لأن ذلك محال على الله أن يقع في علمه نقص أو خلل، ولهذا قال: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ . أي اللوح المحفوظ الذي ترجع إليه سائر الأشياء فهو أصلها وهي فروع وشعب، فالتغير والتبديل يقع في الفروع والشعب كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسباباً ولمحوها أسباباً لا تتعدى تلك الأسباب ما رسم في اللوح المحفوظ، كما جعل البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق، وكما جعل المعاصي سببا لمحق بركة الرزق والعمر، كما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب بحسن قدرته وإرادته. وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ. اهـ . ( تفسير السعدي). وأما كون الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وأنه يرد القدر فمعناه كما قال ابن القيم في الجواب الكافي: إن هذا القدور قدر بأسباب ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجرداً عن سببه ولكن قدر بسببه فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور وهكذا، كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء وقدر حصول الزرع بالبذر.... وحينئذ فالدعاء من أقوى الأسباب، فإذا قدر وقوع المدعو به لم يصح أن يقال لا فائدة في الدعاء كما لا يقال لا فائدة في الأكل والشرب. اهـ. تنبيه: لم يرد دليل صحيح يفيد أن الدعاء ليلة النصف من شعبان بخصوصها مستجاب أو مستحب. إلا أنها كغير ها من الليالي التي ورد الترغيب في الدعاء فيها إذا دخل الثلث الأخير منها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني